كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 5)

الغرماء (¬1)، ويبيع من ماله أولاً ما يخاف عليه الفساد، كيلاَ يضيع ثم الحيوان لحاجته إلى النفقة، وكونه عرضة للهلاك ثم سائر المنقولات ثم العقارات، وإنما يؤخرها لأنه لا يخشى عليها الهَلاَك والسَّرِقة، ويشهر بيعها فيظهر الرَّاغِبُون، ويبيع كل شيء في سوقه، فإن طالبيه في سوقه أكثر (¬2).
ويجب أن يبيع بثمن المِثْلِ من نَقْدِ البَلَد حالاً، ثم إن كانت الديون من غير جنس ذلك النقد ولم يرض المستحقون إلا بجنس حقوقهم صرفه إلى جِنْسِ حقهم، إلا جاز صَرْفُه إِلَيْهِم إلا أن يكون سلماً.
ولا يسلم المبيع قبل قبض الثمن، نَصَّ عليه الشَّافعي -رضي الله عنه- وقد ذكرنا فيما إذا تنازع المتبايعان في البداءة بالتسليم أقوالاً، فعن أبي إسحاق سُرَيْجٍ أن ما ذكره هاهنا جواب على قولنا: أن البداءة للمشتري، ويجيء عند التنازع قول آخر، وهما أنهما يخبران معاً، ولا يجيء قولنا: لا يجير واحد منهما حتى يبدأ أحدهما، فإن الحال لا يحتمل التأخير، ولا قولنا: إن البداءة بالبائع، فإن من يتصرف لِلْغَيْرِ فَلاَ بُدَّ وأن يحتاط، وعن أبي الحسين: أنه تجب البداءة هاهنا بتسليم الثمن بِلاَ خِلاَف، ثم لو خالف الوَاجِب وسلَّم المبيع قبل قَبْضِ الثَّمَنِ ضَمِنَ، وكيف يَضْمُنُ؟ سنذكره إن شاء الله تعالى.
وما يقبضه الحاكم من أَثْمَان أمواله على التَّدْريجِ إن كان يسهل قسمته عليهم فالأولى أن لا يؤخره، وإن كان يَعْسُر لِقِلَّتِهِ وكثرة الديون فله أن يؤخر ليجتمع، فإن أبوا التأخير ففي "النهاية" إطلاق القول بأنه يجيبهم، والظاهر خلافه، وإذا تأخرت القسمة فإن وجد من يقترض منه فَعَل، ويشترط فيه الأمانة واليَسَار، وإن لم يجد أودعه عند اْمين ولا يشترط فيه اليسار وليودع عند يرضاه الغرماء، فإن اختلفوا أو عينوا من ليس بعدل فالرأي للحاكم، ولا يقنع بمن لَيْسَ بِعَدْلٍ.
ولو تلف شيء من الثمن في يد العَدْلِ فهو من ضمان المفلس، سواء كان في حَيَاةِ المفلس أو عند موته.
¬__________
(¬1) قال النووي: ويقدم أيضاً المال الذي تعلق به حق عامل القراض ويقدم بالربح المشروط صرح به الجرجاني وهو ظاهر. ينظر الروضة 3/ 376 - 377.
(¬2) محل هذا كما قال الماوردي إذا لم يكن في نقله مؤنةكبيرة فإن كان ورأى الحاكم أن المصلحة استدعاء أهل السوق إليه فعل. وقال النووي: إن البيع في السوق مستحب فلو باع من غيره بثمن مثله صح قاله أصحابنا. وهذا المذكرر من تقدم بيع المرهون والجاني وهو إذا لم يخف تلف ما يسرع فساده. فإن خيف قدم بيعه عليهما. ينظر الروضة 3/ 377.

الصفحة 19