كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 5)

وَلْيَشْهَدْ من يَخْبَرُ بَاطِنَ حَالِهِ فَإنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْي قُبِلَتْ لِلْحَاجَةِ، ثُمَّ لِلْخَصْم أن يُحَلِّفَة مَعَ الشَّهَادةِ، فَإِنْ لَمْ يَطلُبْ فَهَلْ يَجِبُ علَى القَاضِي أَدَباً في قَضَائِهِ فِيهِ خِلاَفٌ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ بَيَّنَةَ وَقَد عُهِدَ لَهُ مَالٌ فَلاَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْهَدْ فَقِيلَ إِنَّ القَوْلَ قَوْلُهُ لأَنَّ الأَصْلَ عَدَمُ اليَسَارِ، وَقِيلَ لاَ بلِ الأصْلُ في الحُرِّ الاقْتِدَارُ، وَقِيلَ يِنْظَرُ إنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ بِاخْتِيَارِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لاَ يَلْتَزِمُ إِلاَّ عَنْ قُدْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ يَمِينُهُ فَإِنْ كَانَ غَرِيباً فَلْيُوكِّل القَاضِي بِهِ منْ يَسْأَلُ عَنْ مَنْشَئِهِ وَمُنْقَلَبِهِ حَتَّى يَغْلِبَ علَى ظَنِّهِ إفْلاَسُهُ فَلْيَشْهَدْ كَيْلاَ يَتَخَلَّدَ الحَبْسُ عَلَيْهِ.
قال الرَّافِعِيُّ: هذا الحكم أيضاً ليس من آثار الحَجْرِ وخواصه، بل هو في حَقِّ غير المحجور أظهر على ما سنبينه إن شاء الله تعالى.
واعلم أن المديون إذا ثبت إعساره لم يَجُزْ حبسه ولا مُلاَزَمَتُه، بل يمهل إلى أن يوسر على ما قال الله تعالى: {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (¬1).
وقال أَبُو حَنِيفَةَ: للغريم ملازمته ولكن لا يمنعه من التكسب، وإن كان له مالٌ فقد ذكرنا أنه يؤمرَ بِبَيْعِ مَالِهِ، وإن امتنع باعه الحَاكِمُ عليه، وهل يحجر عليه؟ فيه وجهان:
أظهرهما: أنه يحجر إذا التمسه الغرماء كَيْلاَ يتلف ماله.
والثاني: لا؛ لأن عمر -رضي الله عنه- لم يحجر على الجهيني، فإن أخفى ماله حبسه القاضي حتى يظهره، روى أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ" (¬2).
قال المُفَسِّرُونَ: أراد بالعقوبة الحبس والملازمة، فإن لم ينزجر بالحَبْسِ زاد في تعزيره بما يراه من الضَّرْبِ وغيره، وإن كان ماله ظاهراً فهل يحبسه بامتناعه؟ قال في "التتمة": فيه وجهان: الذي عليه عمل القضاة الحبس، ويدل عليه ما روى أنه -صلى الله عليه وسلم- "حَبَسَ رَجُلاً أَعْتَقَ شِقْصاً لَهُ منْ عَبْدٍ في قِيمَةِ الْبَاقِي" (¬3).
وإن ادعى أنه قد تلف ماله وصار معسراً فعليه البينة، ثم إن شهد الشهود على
¬__________
(¬1) سورة البقرة (280).
(¬2) أخرجه أبو داود (3628) والنسائي (7/ 316، 317) وابن ماجة (2427) وأحمد (4/ 388، 389) والبخاري في التاريخ (2/ 2/ 259) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1164) والحاكم (4/ 102) والبيهقي (6/ 51) والطبراني (7/ 381) وانظر تعليق التعليق (827) والطحاوي في المشكل (1/ 413).
(¬3) أخرجه البيهقي بنحوه (6/ 49) من رواية ابن مسعود وضعفه، ومن رواية أبي مجلز وقال منقطع.

الصفحة 26