كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 5)

تسليم الأُجْرَة ومضت المدة فللمُكْرِي فَسْخُ الاِجَارَةِ تنزيلاً للمنافع في الإجارة منزلة الأعْيَانِ في البَيْعِ، وذكر الإمام أن صاحب "التقريب" حكى قولاً: أنه لا يثبت الرجوع في المَنَافِع، فتترك منزلة الأعيان القائمة، إذ ليس لها وجود مستقر، والمَذْهَبُ الأول، فإن لم يفسخ واختار مضاربة الغُرَمَاءِ بالأجرة فله ذلك، وحينئذ إنْ كَانَتِ العَيْنُ المستأجرة فَارِغَةً، أجَّرَهَا الحَاكِمُ عَلَى المُفْلِسِ، وصرف الأجرة إلى الغُرَمَاء، ولو كان التَّفْلِيسُ بعد مَضِيِّ بَعْضِ المُدَّةِ، فللمكري فسخ الإجارة في المُدَّة الباقية، والمضاربة مع الغرماء بِقِسْطِ المُدَّة المَاضِية من الأُجْرَةِ المُسَمَّاةِ بناءً على أنه لو باع عبدين فَتَلَفَ أَحُدُهِمَا، ثم أفْلَسَ، يفسخ البيع في البَاقِي، ويضارب بِثَمَنِ التَّالِفِ.
وإذا أفلس مُسْتأجِرُ الدَّابَّةِ في خِلاَلِ الطَّرِيقِ، وحجر عليه فَفَسخَ المُكْرِي، لم يكن له ترك مَتَاعِهِ في البَادِية المهلكة، ولكن ينقله إلى مَأْمَن بِأجْرَةٍ مِثْلٍ، يقدم بها على الغُرَماء؛ لأنه لصيانة ماله وإيصاله إلى الغُرَماء، فأشبه أجرة الكَيَّالِ، والحَمَّالِ، وكرى المكان المحفوظ فيه، ثم في المأمن يضعه عِنْدَ الحَاكِمِ، ولو وضعه عند عَدْلٍ من غير إذن الحَاكِم فوجهان مذكوران في نَظَائِرِه.
ولو فسخ والأرْضُ المستأجرةُ مشغولةٌ بزرع المُسْتَأْجِرِ، نُظر إن استحصد الزرع فله المُطَالَبة بالحَصَادِ، وتفريغ الأرْضِ، وإلا فإن اتفق المفلس والغُرَماء على قَطْعِهِ قُطِع، وإن اتفقدا على التبقية إلى الإدْرَاكِ فَلَهُمْ ذَلِكَ، بشرط أن يقدموا المكرى بأجرة المثل، لبقية المدة، محافظةً للزرع على الغرماء، وإن اختلفوا فأراد بعضهم القطع والبعض التبقية فعن أبي إسحاق أنه يراعى ما فيه المَصْلَحة.
والمذهب: أنه ينظر إن كان له قيمة لو قطع، فيجاب من يريد القطع من المفلس، والغرماء، إذ ليس عليه تَنْمِية مَالِهِ لهم ولا عليهم الصبر إلى أن ينمو ماله.
فعلى هذا لو لم يأخذ المكري أجرة المدة المَاضِية فهو أحد الغرماء، فله طَلَبُ القَطْعِ، وإن لم يكن له قيمة لو قطع فيجاب من يريد التبقية، إذ لا فائدة لِطَلَب القَطْعِ فِيهِ، وإذا أبقوا الزرع بالاتفاق أو بطلب بعضهم حيث لم يكن للمقطوع قيمة فَالسَّقْيُ، وسَائِرِ المُؤِنِ، إن تطوع الغُرَمَاء، أو بعضهم أو اتفقوا عليها على أقدار ديونهم فذاك، وإن أنفق عليها بعضهم ليرجع فلا بد من إِذْنِ الحَاكِمِ، أو اتفاق الغرماء والمفلس وإذا حصل الإذْن قدم المنفق بقدر النفقة لأنه لإصلاح الزرع، وكذا لو أنفقوا على قدر الديون ثم ظهر غريم آخر قدم المنفقون بما أنفقوا، وهل يجوز الإنْفَاقُ عليه من مَالِ المُفْلِس؟ فيه وجهان:
أظهرهما: الجواز.

الصفحة 36