كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 5)

الثالثة: إذا باع جاريةً بِعَبْدٍ، وتقابضَا، ثم أفلس مشتري الجارية، وحجر عليه، وهلكت الجارية في يده، ثم وجد بائعُها بالعَبْدِ عيباً، ورده فله طلب قيمة الجَارِية لا مَحَالَة، وكيف يطلب؟ فيه وجهان عن القاضي حسين:
أصحهما: أنه يضارب كسائر أرْبَابِ الدّيُونِ.
والثاني: أنه يتقدم على سَائِرِ الغُرَمَاءِ بقيمتها؛ لأنه أدخل في مقابلتها عَبْداً في مال المُفْلِسِ، وهذان الوَجْهَان في الكيفية يخالفان الوجهين في رجوع من باع منه بعد الحَجْرِ شيئاً بالثَّمَنِ. إذا قلنا: لا يتعلق بعين متاعه فإنا في وَجْهٍ نقول: يضارب، وفي وجه نقول: يصبر إلى أن يستوفي الغُرَمَاء حقوقهم، ولا نقول بالتقدم بِحَالِ، وكان الفرق أن الدَّيْنَ ثَمَّ حادث بعد الحَجْرِ، وهاهنا مستند إلى سَبَبٍ سابق على اَلحَجْرِ، فإذا انضم إليه إدْخَال شَيْءٍ في ملك المفلس، أثر في التَّقْدِيمِ عَلَى رَأَيٍ.
قال الغزالي: أَمَّا المُعَوَّضُ فَلَهُ شَرْطَانِ: الأَوَّلُ أن يَكُونَ بَاقِياً في مِلْكهِ، فَلَوْ هَلَكَ فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ المُضَارَبَةُ بِالثَّمَنِ، وَكَذا (و) لَوْ زَادَتِ القِيمَةُ عَلَى الثَّمَنِ، وَالخُرُوجُ عَنْ مِلْكِهِ كَالهَلاَكِ، وَتَعَلُّقُ حَقِّ الرَّهْنِ وَالكِتَابَةِ كَزَوَالِ المِلْكِ، وَلَوْ عَادَ إِلَى مِلْكِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ رَجَعَ إِلَيْهِ في أَظْهَرِ القَوْلَيْنِ.
قال الرَّافِعِيُّ: يعتبر من البيع ليرجع البائع إليه شرطان:
أحدهما: بقاؤه في ملك المفلس، فلو هلك لم يرجع قال -صلى الله عليه وسلم-: "فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ إِذَا وَجَدَهُ بعَيْنِهِ" (¬1) جعل وجدانه شَرْطاً في الأحَقِّية، ولا فَرْق بين أن يكون الهلاك بآفة سَمَاوِيَّةٍ، أَو بجناية جَانٍ، ولا بين أن تكون قيمته مِثْلَ الثمن، أو أكثر، وليس لَهُ إلا مضاربة الغُرَمَاءِ بالثَّمَنِ، وعن رواية الشَّيْخِ أَبِي محمد وغيره وجه: أنه إذَا زادت القيمة ضارب بها دون الثَّمَنِ، واستفاد بها زيادة حصته.
ولو خرج عن مِلْكِهِ ببيع أو هبة أو إعتاق أو وقف فهو كما لو هَلَكَ، وليس له فسخ هذه التصرفات، بخلاف الشَّفِيعِ له رَدُّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ؛ لأن حق الشفعة كان ثباتاً حين تصرف المُشْتَرِي؛ لأنه يثبت بنفس البَيْعِ، وحق الرجوع لم يكن ثابتاً حين تَصَرَّفَ، لأنه إنما ثبت بالإِفْلاَسِ والحَجْرِ.
ولو كاتب العبد، أو اسْتَوْلَدَ الجارية فلا رجُوعَ أيضاً.
ولو دبر أو علّق العِتْقَ بصِفَةٍ فله الرجوع، وإن أجره فلا رجوع، إن لم نجوز بيع
¬__________
(¬1) تقديم.

الصفحة 40