كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 5)

وقوله في الكتاب: (في أظهر القولين) غير محمول على قولين منقولين في هذه المسألة بخصوصها؛ لإطباق النَّقَلَة على أن الخِلاَف فِيهَا وَجْهَان، لا قَوْلاَنِ، لكن الأئمة فهموا من اختلاف قوله في نظير المسألة قولين فيما يضبط المَسَائِل، وهو أن الزَّائِلَ العَائِدَ كالذي لم يزل، أو كالذي لَمْ يَعُد، فكأنه أرَادَ بالقولين ذلك، والله أعلم.
قال الغزالي: الثَّانِي أَنْ لاَ يَكُونَ مُتَغَيِّرًا، فَإِنْ تَغَيَّرَ بِطَرَيَانِ عَيْبٍ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَنْ يَقْنَعَ أَوْ يُضَارِبَ بِالثَّمَنِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِجِنَايَةِ أَجْنَبِيِّ فَلَهُ المُضَارَبَةُ بِجُزْءٍ مِنَ الثَّمَنِ عَلَى نِسْبَةِ نُقْصَانِ القِيمَةِ لاَ بِأَرْشِ الجِنَايَةِ إِذْ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ كُلَّ القِيمَةِ عِنْدَ قَطْعِ اليَدَيْنِ وَذَلِكَ لاَ يُعْتَبَرُ في حَقِّ البَائِعِ، وَجِنَايَةُ المُشْتَرِي كَجِنَايَةِ الأَجْنَبِيِّ عَلَى أَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ.
قال الرَّافِعِيُّ: إن لم يتغير المبيع عما كان فللبائع الرُّجوعُ لاَ مَحَالَةَ، وإن تغير فربما منع ذلك التغير الرُّجُوعَ، وربما لم يمنع على ما سيتضح تَفْصِيله، ويبين بذلك أنه ليس الشرط انتفاء نفس التغير، بل انتفاء بَعْضِ التغيرات.
وبيان التَّفْصيل المشار إليه أن التغير إما أن يكون بالنقصان، أو بالزيادة.
القسم الأول: التغير بالنقصان وهو على ضربين:
أحدهما: نقصان مَا لاَ يتقسط الثَّمَنُ عَلَيْهِ، ولا يفرد بالعَقْدِ، وهو المراد بالعَيْبِ، وربما عبر عنه بنقصان الصِّفَةِ، فينظر إن حصل ذلك بآفة سَمَاوِيَّةِ فالبائع بالخِيَارِ إن شاء رَجَعَ إليه ناقصاً، وقنع به، وإن شاء ضَارَبَ مَعَ الغُرَمَاءِ بالثَّمَنِ، كما لو تعيب المبيع في يَدِ البَائِعِ يخير المشتري بين أخذه معيباً بجميع الثَّمَنِ، وبين الفَسْخِ والرجوع بالثَّمَنِ، ولا فرق بين أن يكون النقصان حِسِّياً، كسقوط بَعْضِ الأعضاء والعمى، أو غير حسي كنسيان الحِرْفة، والإباق، والزِّنَا، وفي كتاب القاضي ابْنِ كِجٍّ أن من أصحابنا من أثبت قولاً آخر أنه يأخذ المَعِيب، ويضارب مع الغُرَمَاءِ بما نَقَصَ، كما سنذكره في الضَّرْبِ الثَّانِي من النُّقْصَانِ، وَهُوَ غَرِيبٌ.
وإن حصل بجناية جانٍ، فذلك الجانب إما أجنبي، أو بالبائع، أو المُشْتَرِي، إن كان الجاني أجنبياً فعليه الأَرْشُ، إما غير مُقَدَّر أو مقدر بناء على أن جرح العبد مقدر وللبائع أن يأخذه معيباً، ويضارب الغُرَماء بِمِثْلِ نِسْبَةِ ما انتقص من القِيمَةِ من الثَّمَنِ، وإنَّمَا ضارب هاهنا بِشَيْءٍ لأن المشتري أخذ بدلاً من النقصان، وكان ذلك مستحقاً لِلْبَائِعِ، ولو بقي فلا يحسن تضييعه عَلَيْهِ، وإنما اعتبرنا في حقه نقصان القيمة دون
__________
= والثاني: يأخذه البائع، وأصحهما عند الشيخ أبي حامد والقاضي أبي الطيب، وآخرين: يأخذه الشفيع ويكون الثمن بين الغرماء كلهم. ينظر روضة الطالبين 3/ 391.

الصفحة 42