كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 5)

التَّقْدِيرِ الشَّرْعِي؛ لأن التقدير إنما أثبته الشرع في الجِنَايَاتِ، والأعواض تتقسط بعضها على بعض باعتبار القيمة.
ولو اعتبرنا في حقه المقدر، لزمنا أن نقول: إذا قطع الجاني يديه وغرم تمام القِيمَة يرجع البائعُ إلى العَبْدِ مع تمام القِيمَة، أو تمام الثمن، وهذا محالٌ فننتظر فيما انتقص من قيمته بقطع اليدين، ونقول: يضارب البَائِعُ الغرماءَ بمثل نسبته من الثَّمَنِ، ولو قطع إحدى يَدَيْهِ، وغرم نِصْفَ القِيمَةِ، وكان النَّاقِصُ في السوق ثُلُثُ القيمة، يُضَارِبُ البَائِعُ بثلث الثَّمَنِ، ويأخذه، وعلى هَذَا القِيَاسُ.
وإن كان الجَانِي البَائِعُ فهو كما لو كان الجاني أجنبياً، لأن جنايته جناية على ما ليس بِمَمْلُوكَ لَهُ، ولا هو في ضَمَانِهِ. وإن كان الجَانِي المشتري فطريقان:
أظهرهما: عند الإمام: أن جنايته كجناية الأجنبي أيضاً، لأن إتْلاَفَ المُشْتَرِي قَبْضٌ، واسْتيقَاءٌ مِنْه على ما مَرَّ في موضعه، وكأنه صرف جزءاً من المَبِيعِ إِلَى غَرَضِهِ.
والثَّانِي: أن جناية كَجِنَايَةِ البَائِعِ على المبيع قَبْل القَبْضِ، منْ حيث أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْهُ غير مقر في يَدهِ، فعلى هذا يَحْصُل في جنايته قولان:
أحدهما: أنها كجناية الأجنبي.
وأصحهما: أنها كالآفة السَّمَاوِيَّةِ، وهذا ما أورده صاحب "التهذيب" وغيره، ولا يَخْطُر بِالْبَالِ أن حق تشبيه جناية المشتري هاهنا بجناية البَائِع قبل القَبْضِ تشبيه جناية البائع هاهنا بجناية المُشْتَرِي، حتى يقال: كأنه استرجع بَعْض البيع، إذ ليس له الفسخ والاسترجاع إلا بعد حَجْرِ الحَاكِمِ عَلَيْهِ، وليس قبل الحَجْرِ حَقُّ ولا ملك.
قال الغزالي: وَإِنْ تَغَيَّر بِفَوَاتِ بَعْضِ المَبِيع كَأَحَدِ العَبْدَيْنِ إِلَى القَائِمِ وَضَارَبَ بِثَمَنِ التَّالِفِ، وَنُقْصَانُ وَزْنِ الزَّيْتِ بالإِغْلاَءِ تَغَيُّرُ صِفَةٍ أُوْ تَلَفُ جُزْءٍ فِيهِ وَجْهَانِ.
قال الرَّافِعِىُّ: الضرب الثاني: نقصان ما يقسط الثَّمن عَلَيْهِ، ويصح إفراده بالعَقْدِ، كما لو اشترى عبدين أو ثوبين فتلف أَحَدُهُمَا في يَدِ المُشْتَرِي ثم أفلس، وحجر عليه، فللبائع أن يأخذ البَاقِي بحصَّتِهِ من الثَّمَنِ، ويضارب مع الغُرَمَاء بحِصَّتِهِ عَنِ التَّالِفِ، بل لو بقي جَمِيعُ المَبِيعِ وأراد البائعُ فسخَ البَيْعِ في نصفه مُكِّن منه؛ لأنه أَنْفَعُ لِلْغُرَمَاءِ مِنَ الفَسْخِ في الكُلِّ، فهو كما لو رَجَعَ الأبُ في نصف ما وَهَبَ يجوز، وعن القاضي أَبِي حَامِدٍ، وَأَبِي الحُسَيْنِ أن من الأصحاب من ذكر قولين في أنه إذا أخذ الباقي يأخذه بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ، أوَ يأخذه بِجَمِيِع الثَّمَنِ ولا يُضَارِبُ بشَيْءٍ، وذكر الإمام أن أصحاب هذه الطَّرِيقة طردوها في كل مَسْألَةٍ تُضَاهِيهَا، حتى لَوْ بَاعَ سَيْفاً وشقصاً بِمَائَةٍ، يأخذ الشقص بجميع المِائَةِ عَلَى قَوْلٍ، قال: وهذا عِنْدِي قَريبٌ مِن خَرْقِ الإِجمَاعِ.

الصفحة 43