كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 5)

المفلس يقبل قوله من غير يمين، بناء على أن النكول ورد اليمين كالإقرار، وأنه لو أَقَرَّ لما قُبِلَ إِقْرَرُةُ، والمذهب الأول، وإنما يحلف على نفي العِلْم بِسَبْقِ الفَسْخِ على التأبير، لا على نفي السَّبْقِ (¬1).
فإن حلف بَقِيَت الثَّمارُ لَهُ، وإن نَكَلَ فَهَلْ لِلْغرَمَاءِ أن يُحْلِفُوا، فيه الخلاف المَذْكُور فيما إذا ادعى المفلس ديناً عَلَى غَيْرِهِ وأقام شاهداً ولم يحلف معه هل يحلف الغرماء؟ فإن قلنا: لا يَحْلِفون وهو الأصح أو قلنا: يَحْلِفُون فنكلوا، عرضت اليمين على البَائِع، فإن نَكَل فهو أَحَّقُّ كما لو حلف المُفْلس، وإن حَلَفَ فإن جَعَلْنَا اليمين المَرْدُودَةَ بَعْدَ النُّكُولِ كَالْبَيِّنَةِ، فالثَّمَارُ لَهُ وإن جعلناه كَالإقْرَارِ فيخرج على القَوْلَيْنِ في قبول إقرار المُفْلِس في مزاحمة المقر له للغُرَمَاءِ، فإن لم يقبله صرف الثمار إلى الغُرَمَاءِ كَسَائِرِ الأمْوَالِ، فإن فضل شَيْءٌ أَخَذَهُ البَائِعُ بِحَلِفِهِ.
هَذَا إِذَا كَذَّبَ الغُرَمَاءُ البائع كما كذبه المفلس، وإن صَدَّقُوه لم يقبل إقرارهم على المُفْلِسِ، بل إذا حلف بَقِيَتِ الثَّمَارُ لَه وليس لهم المُطَالَبَةُ بقسمتها؛ لأنهم يَزْعَمُونَ أنها ليست مِلْكاً لَهُ، وليس له التَّصَرُّف فِيهَا؛ لمكان الحَجْرِ، واحتمال أن يكون له غَرِيمٌ آخر.
نعم، له إجبارهم على أَخْذِهَا إن كانت مِنْ جنس حُقُوقِهِمْ، أو إبراء ذمته عن ذلك القَدْرِ عَلَى ظَاهِرِ المذْهَبِ، كما لو جاء المكاتب بالنجم فقال السيد: إنه مَغْصُوبٌ، فيقال له: خذه أو أبرئه عنه، وفيه وجه أنهم لا يجبرون على أَخْذِهَا، بِخِلاَفِ المُكَاتَب؛ لأنه يَخَافُ العودَ إِلَى الرِّق، لو لم يؤخذ منه، وليس على المفلس كَثِيرُ ضَرَرٍ، فَإذا أجبروا على أَخْذِهَا فأخذوها، فللبائع أخذها منهم لإقرارهم، وإن لم يجبروا وأقسم سَائِر أمواله فله طَلَبُ فَكَّ الحَجْرِ، إذا قلنا: إنه لا يرتفع بنفسه، ولو كانت من غير جِنْس حقوقهم فبيعت وصرف ثمنها إليهم تفريعاً على الإجْبَارِ، لم يتمكن البَائِعُ من أخذه منهم لأنهم لم يُقِرُّوا له بالثَّمَنِ، وعليهم رَدُّهُ عَلَى المُشْتَرِي، فإن لم يأخذه فَهُوَ مَالٌ ضَائِعٌ (¬2)، ولو كان في المصدقين عَدْلاَن شهدَا لِلْبَائِع على صيغة الشَّهَادَةِ وشرطها، أو عدل واحد وحلَفَ البَائِعُ معه قُبِلَت الشَّهَادة، وقضى لهَ، هكذا أَطْلَقَ الشَّافعي -رضي الله عنه- وعامة الأَصْحَاب، وأحسن بعض الشُّيُوخِ الشَّارِحِين "للمختصر" فحمله على ما إذا شهِدَ الشُّهُودُ قَبْلَ تَصْدِيقِ البَائِعِ.
¬__________
(¬1) قال النووي: فلو أقر البائع أن المفلس لا يعلم تاريخ الرجوع سلمت الثمرة للمفلس بلا يمين لأنه يوافقه على نفي علمه قاله الإمام. ينظر الروضة 3/ 397.
(¬2) قال النووي: هذا هو الصحيح المعروف. وفي "الحاوي" وجه شاذ: أنه يجب عليهم دفع الثمن إلى البائع لأنه بدل الثمرة فأُعطي حكمها والصواب ما سبق. ينظر الروضة 3/ 397.

الصفحة 50