كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 5)

أو بعده، وقلنا: إنهم لا يجبرون على أَخْذِ الثَّمارِ، وإلا فهم يدفعون بالشَّهَادة ضرر أخذها، وضياعها عليهم بِأَخْذِ البَائِعِ.
ولو صدَّق بَعْضُ الغرماء البائعَ وكَذَّبَه بعضهم، فللمفلس تخصيص المكذبين بالثَّمَارِ، ولو أراد بعضهم قسمتها على الكُلِّ فوجهان.
قال أبو إسحاق -رحمه الله- له ذلك، كما لو صَدَّقُوهُ جَمِيعاً، وقال الأكثرون: لا؛ لأن من صدق البائع يتضرر بالأخْذ؛ لأن البَائِع يتضرر بأخذ ما أخذه منه، والمُفْلِس لا يتضرر بأن لا يصرف إليه لإمكان الصَّرْفِ إلى المكذبين، بخلاف ما إذا صَدَّقَهُ الكُلِّ.
وإذا صرف إلى المكذبين ولم يف بحقوقهم، فيضاربون المصدقين في سَائِرِ الأموال ببقية ديونهم، مؤاخذةً لهم بزعمهم، أو بجميع ديونهم؛ لأن زعم المُصَّدِّقين أن سائر ديون المكذبين لم تَتَأَدَّ، وفيه وَجْهَانِ:
أظهرهما: وهو المنصوص أولهما، وجميع مَا ذَكَرْنَاه فيما إذا كذَّب المُفْلسُ البَائِعَ، أما إذا صَدَّقه، نظر إن صدقه الغرماء أيضاً قُضِيَ له، وإن كَذَّبُوه وزعموا أنه أقر عن مواطأة جرت بينهما، فعلى القولين فيما إذا أَقَرَّ بعين مال أو بِدَيْنٍ لغيره، وإن قلنا: لا يقبل، فللبائعِ تحليفُ الغرماء، قيل: إنهم لا يعرفون فسخه على التأبير، ومنهم من قال: هو على القولين السَّابقين في أن الغرماء هَلْ يحلفون؟ والأول أصح؛ لأن اليمين هاهنا توجهت عليهم ابتداء، وثم ينوبون عن المُفْلِس، واليمين لا تَجْرِي فيها النِّيابة (¬1).
النظر في انْفِصَالِ الجَنِين، وفي ظهور الثَّمَارِ بالتأبير إلى حال الرجوع دُونَ الحَجْرِ؛ لأن ملك المفلس بَاقٍ إلى أن يرجع البائع.
قال الغزالي: وَلَوْ بَقِيَتِ الثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي فَعَلَى البَائِعِ إِبْقَاؤُهَا إِلى الجِدَادِ، وَكَذَا إِبْقَاءُ زَرْعِهِ مِنْ غَيْر أُجْرَةٍ (و)، وَحَيْثُ يَثْبُتُ الرُّجُوعُ في الثَّمَارِ فَلَو كَانَتْ قَدْ تَلِفَتْ فَرَجَعَ فِي الشَّجَرَةِ فَيُطَالَبُ بِجُزْءٍ مِنَ الثَّمَنِ بِطَرِيقِ المُضَارَبَةِ، وَيُعْرَفُ قَدْرُهُ بِاعْتِبَارِ أَقَلِّ (و) القِيمَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ العَقْدِ إِلَى يَوْم القَبْضِ؛ لأنَّ مَا نَقَصَ قَبْلَ القَبْضِ لَمْ يَدْخُلْ في ضَمَانِ المُشْتَرِي، وَيُعْتَبَرُ لِلشَّجَرَةِ أَكْثَرُ القِيمَتَيْنِ عَلَى الأَظْهَر (و) تَقْلِيلاً لِلْوَاجِبِ عَلَى المُشْتَرِي.
قال الرَّافِعِيُّ: في الفَصْلِ مسألتان:
إحداهما: مهما رَجَعَ البَائِعُ في الأَشْجَارِ المبيعة، وبقيت الثَّمَارُ للمشتري، إما
¬__________
(¬1) قال النووي: وليس للغرماء تحليف المفلس لأن المقر لا يمين عليه فيما أقر به قاله في "الحاوي" وغيره. ينظر الروضة 3/ 398.

الصفحة 51