كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 5)

ورجع البَائِع في الأَرْضِ حيث لا يتمكن من تملك الزرع بالقيمة، ولا من القلع وغرامة الأَرْشِ، لأن للزَّرْعِ أمداً ينتظر، يسهل انتظاره، والغراس والبناء للتأبيد، وإن أراد الرجوع في الأرض وَحْدَها وإبقاء البناء والغراس للمفلس والغرماء نقل المُزَني أن له الرجوع، وأنه قال في موضع آخر: لا يرجع، وللأصحاب طريقان:
أصحهما: وبه قال المُزَنِي وابْنُ سُرَيْجٍ وأبو إسحاق: أن في المَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ:
أحدهما: وهو اختيار المُزَنِي أن له أن يرجع كما لو صبغ الثَّوبَ المشتري ثم أفلس يَرْجع البَائِعُ في الثوب، ويكون المُفْلِسُ شريكاً معه بالصَّبْغِ.
وأصحهما: المنعِ، لما فيه من الضَّرَرِ، فإن الغِرَاس بِلاَ أَرْضٍ والبناء بِلاَ مقر ولا ممر ناقص القيمة والرجوع إنما يثبت لِدَفْعِ الضَّرَرِ بخلاف مَسْأَلَةِ الصَّبْغِ، فإن الصبغ كالصَّفَة التَّابِعَةِ لِلثَّوْبِ.
والثاني: تنزيل النِّصَّيْنِ على حَالَيْنِ، وله طريقان: عن القاضي أَبي حَامِدٍ في آخرين: أنه قال: حيث يرجع أراد أما إذا كانت الأرض كثيرة القيمة، والبناء والغراس مستحقرين بالإضافة إليها، وحيث قال: لا يرجع أراد مَا إِذَا كانت الأرضُ مستحقرة بالإضافة إليهما، والمعنى في الطريقين اتباع الأقل للأكثر، ومنهم من قال: حيث قال: يرجع أراد مَا إِذَا رجع في البَيَاضِ المتخلل بين الأبنية، والأَشْجَار، وضارب للباقي بقسطه من الثمن يمكن منه لأنه ترك بعض حَقِّه في العين، فإذا فرعنا على طريقة القولين، فإن قلنا: ليس له الرجوع في الأَرْضِ، وإبقاء البِنَاءِ والغراس للمفلس، فالبائع يترك الِرجوع وَيُضَارِب مع الغُرَمَاءِ بالثمن، أَو يعود إلىَ بذل قيمتهما، أو قلعهما مع غرامة أرْشِ النقص، وإن مَكَّنَّاهُ منه فوافق البائع الغرماء، وباع الأرض معهم حتى بَاعُوا البناء والغراس فذاك، وطريق التوزيع ما بيناه في الرَّهْنِ، وإن أَبَى فَهَلْ يخير؟ فيه قولان:
أحدهما: نعم كما في مسألة الصَّبْغِ.
وأصحهما: لا؛ لأن إفراد البِنَاءِ والغِرَاسِ بالبيع مُتَأَتِّ بخلاف الصَّبْغِ، وإذا لم يوافقهم فباعوا البِنَاء والغِرَاس بقي للبائع ولاية التَّمَلُّك بالقيمة، والقلع مع غَرَامَةِ الأَرْشِ، وللمشتري الخيار في البيع إن كان جاهلاً بحال ما اشتراه، ذكره الصَّيْدَلاَنِيُّ وغيره، هذه طريقة الجمهور، وأما الإمام: فإن محصول ما ذكره في المَسْأَلَةِ أربعة أقوال:
أحدها: أنه فاقد عَينِ مَالِهِ، ولا رُجوعَ بِحَالٍ؛ لأن الرجوع في الأَرْضِ ينقص قيمة البِنَاء والغِرَاس.

الصفحة 55