كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 5)

قال الغزالي: وَإِنْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ عَيْنًا مِنْ وَجْهٍ وَوَصْفاً من وَجْهٍ كَمَا لَوْ صَبَغَ الثَّوْبَ فَإِنْ لَمْ تَزِد قِيمَتُهُ فَلاَ أَثَرَ لَهُ، وَاِن زَادَ فَالمُشْتَرِي شَرِيكٌ (ح) بِذَلِكَ القَدْرِ الَّذِي زَادَ، إِلاَّ إِذَا كَانَتِ الزِّيَادَةُ أَكْثَرَ من قِيمَةِ الصَّبْغِ فَالزِّيّادَةُ عَلَى قِيمَةِ الصَّبْغِ صِفَةٌ مَحْضَةٌ، وَفِي الصِّفة المَحْضَةِ فِي طَحْنِ الحِنْطَةِ وَرِيَاضَةِ الدَّابَّةِ وَقِصَارَةِ الثَّوْبِ وَكُلِّ مَا يُسْتَأْجَرُ عَلَى تَحْصِيلِهِ قَوْلاَنِ، أحَدُهُمَا: أنَّهُ يُسَلَّمُ لِلبَائِعِ فَهُوَ كَالزِّيَادَةِ المُتَّصِلةِ مِنَ السِّمْنِ وَغَيْرِهِ، وَالثَّانِي: أنَّهَا كَالصَّبْغِ، لأَنَّهَا عَمَلٌ مُحْتَرَمٌ مُتَقَوَّمٌ، بِخِلاَف مَا لَوْ صدَرَ مِنَ الغَاصِبِ فإنَّهُ عُدْوَانٌ مَحْضٌ، فَعَلَى هَذَا لِلأَجِيرِ حَقُّ الحَبْسِ، وَلَوْ تَلَفَ الثَّوْبُ في يَدِ القَصَّارِ سَقَطَتْ أُجْرَتُهُ.
قال الرَّافِعِيُّ: هذا الفصل يشتمل على القسمين البَاقِيين من أقْسَام النَّوْع الثَّاني من الزيادات، وتقديم المُؤَخَّر منهما في لفظ الكتاب أَلْيَق بالشَّرْحِ فنقدمه ونقول:
القسم الثاني: الصفة المَحْضَة، فإذا اشترى حنطة فطحنها، أو ثوباً فقصره، أو خاطه بخيوط من نَفْسِ الثوب، ثم أفلس فللبائع الرُّجُوعُ إلى عَيْنِ مَالِهِ، ثم ينظر إن لم تزد قيمته فلا شركة للمفلس فيه، وإن نقصت قِيمَتُهُ فلا شَيْءَ لِلْبَائِع مَعَه، وإن زادت فَقَوْلاَن:
أحدهما واختاره المُزَنِي: أن الزيادة بهذه الأعْمَالِ تَجْرِي مجرى الآثار، ولا شَرِكَةَ لِلمُفْلِسِ فيها؛ لأنها صفات تَابِعة حصلت بفعله، فهي كالسَّمَنِ للدابة بالعلف، وكِبَرِ الوَدْيِ بِالسَّقْيِ والتعهد، وأيضاً فإن القصارة تزيل الوسخ، وتكشف عما فيه من البياض، فلا تقتضي الشَّركة كما لو كان المبيع لوزاً فكسره وكشف اللب وزادت به القيمة.
وأصحهما: أنها تجري مَجْرَى الأعيان، ويصير المفلس شريكاً فيها؛ لأنها زيادة حَصَلَتْ بفعل متقوّم مُحْتَرم، فوجب ألا تضيع عليه بخلاف الغَاصِب؛ لأن فعله غير محترم، ويخالف سمن الدَّابة بالعَلَفِ، وكبر الوَدِيِّ بالسقي؛ لأن القصار إذا عمل عمله صَارَ الثوب مقصوراً لا مَحَالة، والسقي والعَلَف يوجدان كثيراً، ولا يحصل السمن والكبر، فكان الأثر فيه غير مَنْسُوب إلى فِعْلِهِ، بل هو محض صُنْعِ الله عَزَّ وَجَلَّ، ولهذا لا يجوز الاستئجار على تَسْمِين الدَّابة، وتكبير الوَدِيِّ، ويجوز الاستئجار على القصارة.
ويجري القولان فيما لو اشترى دقيقاً فخبزه، أو لحماً فَسَوَّاه، أو شَاةً فذبحها، أو أرْضاً فضرب من تربتها لبناً، أو عرصة وآلات البِنَاء فبنى فيها داراً، ثم أفلس، وعن أبي إسحاق أن تعليم العبد القرآن، والحرفة، والكتابة، والشِّعْرَ المباح، ورياضة الدابة لا تلحق بها، ولا تجري مجرى الأعيان قَطْعاً؛ لأنه ليس بيد المعلم ولا الرائض إلا التَّعْلِيم، وقد يجتهد فيه ولا يحصل الغرض، فكان كالتسمين ونحوه، ويحكى هذا عن ابنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وابْنِ القَطَّانِ أيضاً.

الصفحة 59