كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 5)

والأصح وبه قال ابْنُ سُرَيْجٍ، وصاحب "التلخيص"، والقاضي أبُو حَامِدٍ: أنها من صور القولين؛ لأنها أعمال يجوز الاستئجار عليها، ومقابلتها بالعوض، وضبط صور القولين أن يصنع بالمبيع ما يجوز الاستئجار عليه، فيظهر به أثر فيه، وإنما اعتبرنا ظهور الأثر فيه؛ لأن حفظ الدابة وسياستها عمل يجوز الاستئجار عليه، ولا تثبت به الشركة؛ لأنه لا يظهر بسببه أثر على الدَّابة، ثم الأثر تارة يكون صِفَة محسوسة كالطَّحْنِ والقصارة، وتارة يكون من قبيل الأخلاق كالتعليم والرياضة، إذا عرفت القولين ومحلهما. فإن قلنا بالأول: أخذ البائع المبيع وفاز بزيادته.
وإن قلنا بالثاني: فيباع، ويكون لِلْمُفْلِس من الثَّمن بنسبة ما زَادَ في قيمته.
مثاله: قيمة الثَّوْبِ خمسة وبلغت بالقصارة سِتّة، يكون للمفلس سدس الثَّمن، فلو ارتفعت القيمة بالسّوق أو انخفضت فالزيادة والنقصان بينهما على قَدْرِ هذه النسبة، ولو ارتفعت قيمةُ الثوب دُونَ القصارة بأن صَارَ مثل ذلك الثوب لا يؤخذ غَيْر مقصور إلا بِسِتَّةِ، ويشتري مقصوراً بسبعه فليس للمُفْلِس إلا سُبُع الثَّمن، والزيادة حَصَلت في الثوب، ولو زادت قيمة القصارة دُونَ الثَّوْبِ بأن كان مثل هذا الثوب يشتري مقصوراً بسبعة، ويؤخذ غير مقصور بخمسة فللمفلس سُبْعَان من الثمن، وعلى هذا القياس.
ويجوز للبائع أن يمسك المبيع ويمنع من بيعه، ويبذل للمفلس مَا زَادَ بسبب الأعمال، كذا نقل صاحب "التهذيب" وغيره، كما أنه يبذل قيمة الغِرَاس والبناء، ومنع في "التتمة" منه، لأن الصفة لا تقابل بِعِوَضٍ (¬1).
وأما قوله: (فعلى هذا للأجير حق الحبس) إلى آخره فهو إشارة إلى فرعين لا تعلق لهما بالمفلس، أحدهما: إذا استأجر للقصارة، أو الطَّحن فعمل الأجير عمله هل له حبس الثوب المقصور والدقيق لاستيفاء الأجرة؟ فإن قلنا: القصارة وما في معناها أثار فلا.
وإن قلنا: إنها أعيان فَنَعَمْ، كما أن البائع يحبس المبيع لاستيفاء الثمن، وهذا ما اختاره الأكثرون (¬2).
¬__________
(¬1) قال النووي: الأصح: نقل صاحب "التهذيب" وبه قطع صاحبا "الشامل" و"البيان" وقال صاحب "الحاوي": ولا يسلم هذا الثوب إلى البائع ولا المفلس ولا الغرماء بل يوضع عند عدل حتى يباع كالجارية الحامل. ينظر الروضة 3/ 403.
(¬2) قال النووي: هكذا أطلق المسألة كثيرون، أو الأكثرون، ونص الشَّافعي -رضي الله عنه- في "الأم" والشيخ أبو حامد، والماوردي، وغيرهم، على أنه ليس للأجير حبسه، ولا لصاحب الثوب أخذه، بل يوضع عند عدل حتى يوفيه الأجرة، ويباع لهما. وهذا الذي قالوه ليس مخالفاً لما سبق. فإن جعله عند العدل، حبس. لكن ظاهر كلام الأكثرين: أن الأجير يحبسه في يده. ينظر الروضة 3/ 403 - 404.

الصفحة 60