كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 5)

وقوله: (وحجر الصبي ينقطع بالبلوغ مع الرشد)، هكذا يطلقه بعض الأصْحَاب، ومنهم من يقول: الحجر للصبي ينقطع بمجرد البلوغ، وليس ذلك خلافاً محققاً، بل من قال بالأول أراد الإطلاق الكلي، ومن قال بالثاني أراد الحجر المخصوص بالصَّبي وهذا أولى؛ لأن الصِّبَا سبب مستقلٌ بالحَجْرِ، وكذلك التبذير، وأحكامهما مُتَغَايِرَة، ومن بلغ وهو مُبَذِّر فحكم تصرفه حكم تصرف السَّفِيه، لا حكم تصرف الصَّبي، والقول في أن الإطلاق الكُلِّي متى يحصل إذا بلغ رشيداً أو سفيهاً سيأتي من بعد.
قال الغزالي: وَالبُلُوغُ باسْتِكْمَالِ خَمْس عَشَرَةَ سَنَةً (ح م) لِلغُلاَمِ وَالجَارِيَةِ، أَوْ الاحْتِلاَمِ، أَوِ الحَيْضِ لِلْمَرْأَةِ (ح)، أَوْ نَبَاتٍ (ح) العَانَةِ في حَقِّ صِبْيَانِ الكُفَّارِ فَإِنَّهُ أَمَارَةٌ فِيهِمْ (و) لِعُسْرِ الوُقُوفِ عَلَى سِنِّهِمْ، وَفِي صِبْيَانِ المُسْلِمِينَ وَجْهَانِ.
قال الرَّافِعِيُّ: للبلوغ أسباب: منها: ما يشترك فيه الرجال والنساء. ومنها: ما يختص بالنساء. أما: القسم الأول فمنه السِّن، فإذا استكمل المولود خمس عشرة سنة قمرية فَقَدْ بَلَغ. روى عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "عُرِضْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- في جَيْشِ يَوْم أُحُدٍ، وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يَقْبَلْنِي وَلَمْ يَرَنِي بَلَغْتُ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِ منْ قَابِل عَامَ الْخَنْدَقِ، وَأَنا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةَ فَقَبِلَنِي وَرَآنِي بِلَغْتُ" (¬1).
وعن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"إِذَا اسْتَكْمَلَ الْمَولُودُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، كُتِبَ مَالَهُ وَمَا عَلَيْهِ، وَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْحُدُودةُ" (¬2) وفيه وجه: أن البلوغَ يحصل بنفس الطَّعْنِ في السنة الخامسة عشر، وإن لم يستكلمها؛ لأنه حينئذ يسمى ابن خمس عشرة سنة.
والمذهب الأول، وهذا التوجيه ممنوع.
وقوله: (باستكمال خمس عشرة سنة) لفظ الاستكمال مُعَلَّم بالواو لهذا الوجه.
وقوله: (خمس عشرة سنة) بالحاء والميم.
أما: الحاء فلأن عنده بلوغ الغلام بثماني عشرة سنة، وفي الجارية روايتان:
إحداهما: كذلك. والثانية: بسبع عشرة سنة.
وأما: الميم فلأنه يروى عنه أن البُلوغَ لا يحصل بالسِّن، وإنما النظر فيه إلى الاحتلام.
¬__________
(¬1) أخرجه ابن حبان بهذا اللفظ إلا قوله: فلم تقبلني فإن له بدله فلم يجزني، وكذلك في الموضع الثاني ولم يقل فيه: "في جيش" وأصله في الصحيحين البخاري (264، 4097) ومسلم (1868).
(¬2) أخرجه البيهقي (6/ 56 - 57) وقال إسناده ضعيف لا يصح.

الصفحة 68