كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 5)

والسبب الثاني: الاحتلام قال الله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} (¬1) روى أنه -صلى الله عليه وسلم- قال:"رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ، عَنِ الصَّبِيَّ حَتَّى يَحْتَلِمَ" (¬2) والحلم لا يتعلق بخصوص الاحتلام؛ بل هو منوط بمجرد خروج المَنِيّ، ويدخل وقت إمكانه باستكمال تسع سنين، ولا عبرة بما ينفصل قبل ذلك، وفيه وجهان آخران، ذكرهما الإمام كل واحد منهما في موضع من كتابه.
أحدهما: أنه يدخل بِمُضِيِّ ستة أشهر من السَّنَةِ العَاشِرة.
والثاني: أنه إنما يدخل بتمام العَاشِرَة، وهذه الوجوه كالوجوه في أقل سِنِّ الحيض، لكن العاشرة هاهنا بمثابة التاسعة، ثمّ؛ لأن في النساء حدة في الطبيعة وتسارع إلى الأِدْرَاك، وهكذا يكون النبات الضعيف بالإضافة إلى القَوي، والاعتماد فيه على الوجدان بعد البحث كما في الحَيْضٍ، ولا فرق في إفادة خروج المَنِي، البلوغ بين الرجال والنساء كما في السِّن، وفيه وجه: أنه لا يُوجِبُ بلوغهن؛ لأنه نادر فيهن ساقط العبرة، وعلى هذا قال الإمام: الذي يتجه عندي أن لا يلزمها الغَسْل؛ لأنه لو لزم لكان حكماً بأن الخارج مَنِيّ، والجمع بين الحكم بأنه منى وبين الحكم بأنه لا يحصل به البلوغ متناقض.
ولك أن تقول: إن كان التناقض مأخوذاً من تعذر التكليف بالغسل مع القول بِعَدَمِ البلوغ، فنحن لا نعني بلزوم الغُسْلِ سوى ما نعنيه بلزوم الوُضُوءِ عَلَى الصَّبِيَّ إذَا أحدث، فبالمعنى الذي أطلقنا ذلك، ولا تكليف نطلق هَذَا، وإن كان غير ذلك فلا بد من بيانه. واعلم: إنا إذا قلنا: إن خروج المَنِي لا يوجب البلوغ في حق النِّساء، صارت أسبابُ البلوغ ثلاثة أقسام: المشتركة بين الرجال والنساء، وما يختص بالرِّجال، وهو خروجُ المَنِيّ [وما يختص بالنساء] والله أعلم. والسبب الثالث: إنبات العانة يقتضي الحكم بالبُلُوغ في حق الكُفَّار، خلافاً لأبي حنيفة.
لنا: ما روي "أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ حَكَمَ في بَنِي قُرَيْظَةَ فَقَتَل مُقَاتِلَتَهُمْ، وسَبَى ذَرَارَيهُمْ، فَكَانَ يُكْشَفُ عَنْ مُؤَتَزِرِ الْمُرَاهِقِينَ، فَمَنْ أَنْبَتَ مِنْهُمْ قُتِلَ، وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ جُعِلَ في الذّرَارِيِ" (¬3) وعن عطية القرظي قال: "عُرِضْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ قُرَيظَةَ، فَكَانَ مَنْ أنْبَتَ قُتِلَ، وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ فَخُلِّيَ سَبِيلُهُ، وَكُنْتُ فِيمَنْ لَمْ يُنْبِتْ فَخَلَّى
¬__________
(¬1) سورة النور (59).
(¬2) تقدم.
(¬3) متفق عليه دون قصة الإثبات من حديث أبي سعيد الخدري (3043، 3804، 4121، 6262) ومسلم (1768) وهذه الزيادة أخرجها الطبري في الكبير (1000) والصغير (181) وأبو نعيم في تاريخ أصفهان (1/ 128) وضعفه الحافظ في التلخيص (3/ 42).

الصفحة 69