كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 5)

حتى يبلغ خمساً وعشرين سنة كما سبق، وإن بلغَ مصلحاً لماله دفع المال إليه، ونفذ تصرفه، وإن كان فاسقاً، وبه قال مالك فيمن بَلَغَ فَاسِقاً، ونقل المتولي مثل مذهبهما عن بعض أصحابنا.
وجه الظاهر المذهب أن الآية اعتبرت الرشد والصَّلاح مأخوذ من تَفْسِير الرشد. ثم يتصرف في ماله ويستديم الحَجْرَ عليه من كان يتصرف قبل البلوغ أباً كان، أو جداً، أو وَصِياً، أو حَاكِماً. فإن بَلَغَ رشيداً دفع إليه المال، وينفك الحَجْر عنه بنفس البلوغ والرُّشْد أو يحتاج إلى فَكِ القاضي؟ فيه وجهان:
أرجحهما عِنْدَ صَاحِبِ "التهذيب": أنه يحتاج إلى فَكِّ القَاضِي، لأن الرُّشْدَ مما يعرف بالنَّظَرِ والاجْتِهَادِ، ويروى هذا عن أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-.
والثاني: وبه أجاب صاحب الكتاب وهو الأصح عند الإمام والمتولى، ويحكى عن ابنِ سُرَيْجٍ: أنه ينفك عنه؛ لأنه حجر لم يثبت بالحَاكِم فَلاَ يتوقف زواله على إِزَالَةِ الحَاكِم، كَحَجْرِ المَجْنُونِ يزول بمجرد الإِفَاقة، وهذا أولى، إلا لأَطْبَقَ النَّاسُ عَلَى طَلَبِ الَفَكِّ في أوائل البُلُوغِ، ولا يجدوه أهم مهماتهم.
ثم قال المفرعون على الوجه الأول: إنه كما ينفك بفك القَاضِي ينفك بِفَكِّ الأب والجَدّ، وفي الوصي والقَيِّم وَجْهَانِ، وهذا يطعن في توجيههم إياه بالحَاجَةِ إلى النَّظَرِ والاجْتِهَادِ.
وإذا قلنا: لا يزول حتى يزال فتصرفه قبل إِزَالَةِ الحَجْرِ كتصرف من أنشأ الحجر عليه بالسَّفَهِ الطَّارِئِ بعد البُلُوغِ، ويجري الخِلاف فيما إذا بَلَغَ غَيْرَ رَشِيداً، ثُمَّ صَار رَشِيداً وإذا حصل الرُّشْدُ فلا فرق بين الرَّجُل والمَرْأَة، وبين أن تكون المرأة مزوجة أو لا تكون.
وقال مالك -رحمه الله-: لا يدفع المالُ إِلَى المرأَةِ حتى تنكح، فإذا نكحت دفع إليها بإذن الزَّوْجِ، ولا ينفذ تَبَرُّعُهَا بِمَا زاد على الثُّلُثِ إلا بِإِذْنِ الزوج ما لم تصر عَجُوزاً.
ولو عاد التبذير بعد ما بلغ رشيداً لم يطلق، ولم يمكن من التَّصَرّف، وكيف الحال؟ فيها وجهان:
أحدهما: أنه يعود الحَجْر بنفس التبذير، كما لو جُنّ.
وأصحهما: أنه لا يعود، ولكن يُعَاد، ومن الذي يُعِيدُه؟ لا خلاف في أن لِلْقاضي أن يُعِيدَه، وعن أبي يحيى البلخي فيما نقل ابْنُ كجٍّ -رحمه الله تعالى-: أنه يعيده الأَبُ والجَدُّ أيضاً، والمشهور تخصيصه بالقَاضِي؛ لأنه في مَحَلِ الاجْتِهَادِ.

الصفحة 74