كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 5)

وقصرت غلته عن الوَفاءِ بهما ولم يجد من يقرضه، أو لم ير المصلحة فيه أو الغبطة، مثل أن يكون ثقيل الخَراج، أو يرغب شَريك، أو جار بأكثر من ثمن المثل، وهو يجد مِثْلَه ببعض ذلك الثَّمَنِ.
وله بيع ماله نَسِيئة، وبالعرض إذا رأى المَصْلَحَة فيه، فإذا باع نسيئة زاد على ثمنه نقدًا، وأشهد عليه وارتهن به رهنًا وافيًا، فإن لم يفعل ضَمِن، هكذا قاله المعظم، وروى الإمام وجهًا في صِحَّةِ البَيْعِ، إذا لم يرتهن وكان المشتري مَلِيًّا، وقال: الأصح الصحة، ويشبه أن يذهب القَائِل باَلصِّحَّةِ، إلى أنه لا يضمن، ونجوزه اعتمادًا على ذمة المَلِئ، ولا يحتاج الأَبُ إِذَا بَاعَ مالَ وَلَدِهِ من نَفْسِهِ نسيئة أن يرتهن من نفسه، بل يؤتمن في حَقِّ وَلَدِهِ، وإذا بَاعَ الأبُ والجَدّ عقاره، فيُرْفَعُ الأَمْرُ إلى القَاضِي، سجل على بيعه ولم يكلفه إثبات الحاجة أو الغبطة (¬1)، فإذا بلغ الصبي وادعى على الأب والجَدّ بيع ماله من غير مَصْلَحَةٍ، فالقول قولهما مع اليمين وعليه البينة، وإن ادعاه على الوَصِي أو الأمين، فالقول قوله في العقار، وعليهما البينة، وفي غَيْرِ العَقَارِ وجهان:
أظهرهما: أنها كالعقار، والفرق عسر الإشهاد في كل قَلِيلٍ وكثير يبيعه، ومنهم من أطلق وجهين من غير فرق بين وَلِيٍّ وَوَلِيٍّ، وبين العقار وغيره، ودعواه على المشتري من الولي هي على الولي، وليس للوصي والأمين بيع ماله من نفسه ومال نفسه منه، روى أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يَشْتَرِي الْوَصِيُّ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ" (¬2) وللأب والجَدّ ذلك، وبيع مال أَحَدِ الصغيرين من الآخر، وهل يشترط أن يقول: بعت واشتريت كما لو باع من غيره؛ أم يكتفي بأحدهما، فيقوم مقامهما، كما أقيم الشّخص الواحد مقام اثنين؟ فيه وجهان تعرضنا لهما في أول البيع، وإذا اشترى الوَلِي للطِّفْلِ فليشتر من ثقة، وحيث أمر بالارتهان لم يقم أخذ الكفيل مَقَامه.
ومنها: لا يستوفى القِصَاص المستحق له، لأنه ربما يرغب في العَفْوِ ولا يعفو، لأنه ربما يختار الاستيفاء تشفيًا، ولا يعتق عبيده لا بعوض، ولا مجانًا، ولا يكاتبهم، ولا يهب أمواله، لا بشرط الثَّواب ولا دونه، إذ لا يقصد بالهِبَةِ العِوَض، ولا يطلق زوجته لا مجانًا ولا بعوض، ولو باع شريكه شقصًا مشفوعًا، فيأخذ ويترك بحسب المصلحة، فإن ترك بحكم المَصْلَحة ثم بلغ الصبي وأراد أخذه فوجهان:
أصحهما: أنه لا يمكن كما لو أخذ بِحُكْمِ المَصْلَحة ثم بلغ الصبي وأراد رده.
¬__________
(¬1) قال النووي: وفي احتياج الحاكم إلى ثبوت عدالة الأب والجد ليسجل لهما، وجهان حكاهما في "البيان" والله أعلم. ينظر الروضة 3/ 423.
(¬2) قال الحافظ ابن حجر في التلخيص (3/ 43) لم أجده.

الصفحة 81