كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 5)

كِتَابُ الصُّلْحِ
قال الغزالي: وَفِيهِ ثَلاثَةُ فُصُولٍ:

الفَصْلُ الأَوَّلُ في أَرْكَانِهِ وَهُوَ مَعَاوَضَةٌ لَهُ حُكْمُ البَيْعِ إِنْ جَرَى عَلَى غَيْرِ المُدَّعَي، فالصُّلْحُ لا يِخَالِفُ البَيْعَ إِلاَّ في ثَلاَثِ مَسَائِلَ: الأُولَى -قالَ صَاحِبُ "التَّلْخِيصِ" يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى أُرُوشِ الجِنَايَاتِ وَلا يَصِحُّ بِلَفْظِ البَيْعِ، وَأَنْكَرَ الشَّيْخُ؛ أَبُو عَلِيٍّ وَغَيْرُهُ وَقالَ: إِنْ كَانَ مَعْلُومَ القَدْرِ والصِّفَةِ جَازَ بِاللَّفْظَيْنِ وَإِلاَّ امْتَنَعَ (ح) باللَّفْظَيْنِ، وَإِنْ عَلِمَ القَدْرَ دُونَ الوَصْفِ كَإبِلِ الدِّيَةِ فَفِي كِلا اللَّفْظَيْنِ خِلاَفٌ. الثَّانِيَةُ -أَنْ يُصَالِحَ عَنْ بَعْضِ المُدَّعَى فَهُوَ جائِزٌ فَيَكُونُ بِمَعْنَى هِبَةِ البَعْضِ وَلَفْظُ البَيْعِ لا يَنُوبُ مَنابَهُ فِي هَذا المَقَامِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ بِلَفْظِ الصُّلْحِ أَيْضاً لاَ يَصِحُّ. الثَّالِثَةُ -إِذَا قَالَ ابْتِدَاءً لِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ خُصُومَةٍ: صَالِحْنِي مِنْ دَارِكَ هَذِهِ عَلَى أَلْفٍ فَفِيهِ خِلاَفٌ إِذْ لَفْظُ البَيْعِ وَاقِعٌ فِيهِ، وَلا يُطْلَقُ لَفْظُ الصُّلْحِ إِلاَّ فِي الخُصُومَةِ.
قال الرَّافِعِيّ: فسر الأئمة -رحمهم الله- الصُّلْحَ (¬1) في الشَّرِيعة بالعقد الذي ينقطع به خُصُومة المتخاصمين، وليس ذلك على سَبِيلِ التحديد (¬2)، ولكنهم أرادوا ضربًا من
¬__________
(¬1) الصلح لغة: اسم مصدر، لـ: صالحه مصالحة، وصلاحًا بكسر الصاد، قال الجوهري: والاسم: الصُّلْح، يذكر ويؤنث، وقد اصطلحا وصالحا واصّالحا مشدد الصاد، وصلح الشيء بضم اللام وفتحها. انظر: لسان العرب: 4/ 2479. واصطلاحًا: عرفه الحنفية بأنه: عقد وضع لرفع المناصبة. عرفه الشافعية بأنه: عقد يحصل به قطع النزاع. عرفه المالكية بأنه: انتقال عن حق أو دعوى بعوض لرفع نزاع أو خوف وقوعه. عرفه الحنابلة بأنه: معاقدة يتوصل بها إلى مرافقة بين مختلفين. انظر: شرح فتح القدير: 8/ 23، حاشية ابن عابدين: 4/ 472، أسنى المطالب: 2/ 214، مغني المحتاج: 2/ 177، شرح منح الجليل: 3/ 200، مواهب الجليل: 5/ 81، الشرح الصغير: 4/ 530، كشف القناع: 3/ 29، المغني: 4/ 527.
(¬2) وانعقد الإجماع عليه وهل هو أصل بنفسه أو فرع لغيره، قال أبو الطيب بن سلمة: هو أصل جاء الشرع به، وقال أكثرون هو فرع لغيره. قال ابن الصياغ: هو فرع لخمسة: للبيع والإجارة والهبة والإبراء والعارية، وللأصحاب اختيار آخر وهل هو مندوب إليه أو رخصة، قال أبو الطيب بن =

الصفحة 84