كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 5)

التعريف مشيرين إلى أن هذه اللفظة تستعمل عند سبق المُخَاصمة غالبًا، والمخاصمات والمزاحمات المحوجة إلى المُصَالحة تارة تقع في الأَمْلاَك، وتارة في المشتركات كالشوارع وغيرها، والتعامل تَارةً يقع بالصُّلح، وتارة بظهور جانب أحد المتنازعين باختصاصه بما يشعر بالاستحقاق، فلاشتباك هذه الأمور بعضها ببعض، نسلك في الباب في كلام الشَّافعي -رضي الله عنه- للأصحاب -رحمهم الله- مع أحكام الصلح المعقود لها الفصل الأول: بيان المشتركات التي يقع فيها التزاحم صور يترجح فيها جانب أحد المتنازعين، أو يظن رُجْحَانه، وقد عقد صاحب الكتاب لهما الفَصْل الثَّانِي، والثَّالث.
والأصل في الصلح: ما روى عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إِلاَّ صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلالًا" ووقفه على عمر -رضي الله عنه- أشْهَر (¬1)، وعن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزنى، عن أبيه عن جَدِّه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الْمُؤْمُنِونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ إِلاَّ شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلالًا، وَالصّلْحُ جَائِزٌ" (¬2).
إذا عرفت ذلك، فالصلح إما أن يجري بَيْنَ المتداعيين، أو بين المُدَّعِي وأجنبي، والقسم الأول على وجهين.
أحدهما: صُلْحُ المُعَاوَضَةَ، وهو الذي يجري على غير العين المُدَّعَاة، كما إذا ادعى دارًا فأقر بها المُدَّعَى عَلَيْهِ، وصالحه بِها على عُبْدٍ أو ثوب، وهذا الضّرب حكمه حكم البيع، وإن عقد بلفظ الصُّلْحِ، وتتعلق به جميع أحكام البَيْعِ كالرد بالعَيْبِ، والشفعة، والمنع من التَّصَرُّفِ قبل القَبْضِ، واشتراط القبض إن كان المَصَالح عنه والمصالح عليه متوافقين في علة الرِّبا، واشتراط التساوي في مِعْيَار الشَّرْع إن كانا من جِنْسٍ واحد من أموال الرِّبَا، وجريان التَّخَالف عند الاختلاف ويفسد بالغرر والجَهْلِ، والشروط الفاسدة فَسَاد البَيْعِ، وكذا إذا صالح منها على منفعة غير مَعْلُومَةٍ جاز، وكان هذا الصّلح إجارة، كأنه استأجر الدار أو العبد بالعين المُدَّعاة، فيثبت فيه أحكام الإِجَارَات.
¬__________
= سلمة: هو مندوب إليه لأنه أصل بنفسه، وقال ابن أبي هريرة أنه رخصة وهو مقتضى قول أبي إسحاق المروزي لأنه فرع لأصول يعتبر فيها صحته وفساده وقد دل القرآن على الأول بقوله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}.
(¬1) أخرجه أبو داود (3594) والدارقطني (2/ 27) وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (1199) وأحمد في المسند (2/ 366) وابن الجارود (638) والبيهقي (6/ 63، 79) وقوله: ووقف هذا على الحديث على عمر أشهر. البيهقي في المعرفة من طريق أبي العوام البصري.
(¬2) أخرجه الترمذي (1352) وابن ماجة (2353) وقال حسن صحيح وفيه نظر فكثير أجمعوا على ضعفه.

الصفحة 85