كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 5)

الضرب الثاني: ضرب الحَطِيطة: وهو: الجاري على بعض العين المدعاة، كما إذا صالَحَ من الدَّارِ المدعاة على نصفها أو ثلثها، أو من العبدين على أَحَدِهِمَا، فهذا هبة بَعْض المدعى ممن هُو في يَدِه، فيشترط القبول، ومضى إمكان مُدَّةِ القَبْضِ، وفي اشتراط الإذْن الجديد في القبض الخلاف المذكور في بَابِ الرَّهْنِ، ويصح بلفظ الهِبَة وما في مَعْنَاها، وهل يصح بلفظ الصُّلْحِ؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا؛ لأن الصُّلْحَ يتضمن المُعاوَضَة، ومحال أن يعامل الإنسان ملك نفسه ببعضه.
وأظهرهما: الصحة؛ لأن الخَاصِّيَّة التي يفتقر إليها لَفْظ الصلح هو سبق الخصومة وقد حصلت، ثم هو منزل في كل موضع ما يقتضيه الحال كَلَفْظِ التَّمْلِيكِ، ولا يصح هذا الضَّرْب بِلَفْظِ البَيْعِ، وهذه إحدى المَسَائِل الثلاث التي ذكر صَاحِبُ الكِتَابِ، أن الصُّلْحَ يخالف البَيْعَ فِيهَا، وذلك على الوَجْهِ الأظْهَرِ.
وأما إذا قلنا: إنه لا يصح بلفظ الصُّلْحِ أيضًا، فلا فرق بين اللفظين.
المسألة الثانية: ذكر ابْنُ القَاصِّ في "التلخيص": أنه إذا صالَحَهُ مِنْ أَرْشِ المُوَضّحَةِ على شَيْءٍ معلومٍ جَاز إذا عَلِمَا قَدْرَ أَرْشِهَا، ولو باع لَمْ يَجُزْ، وخالفه مُعْظَمُ الأَصْحَابِ في افتراق اللفظين، قالوا: إن كان الأرش مجهولاً كالحكومة التي لم تقدر ولم تضبط لم يجز الصلح عنه، ولا بيعه، وإن كان معلوم القَدْرِ والصفة كالدراهم والدَّنَانِير إذا ضبطت في الحكومة جاز الصُّلْحُ عَنْهَا، وجاز بيعها مِمَّنْ عَلَيْهِ، وإن كان معلوم القدر دُونَ الصِّفَةِ على الحَدِّ المعتبر في السَّلَم كالإبل الواجبة في الدِّيَةِ، ففي جواب الاعتياض عنها بِلَفْظِ الصُّلح، وبلفظ البيع جميعًا وَجْهَانِ، ويقال: قولان:
أحدهما: أنه يصح، كما لو اشترى عينًا، ولم يعرف صفاتها، وأظهرهما فيما ذكر الشيخ أَبُو الفَرَجِ السَرْخَسِي (¬1): المنع، كما لو أسلم في شيء ولم يصفه، وهذا في الجراحة التي لا توجب القود، أما في النَّفْسِ أو فيما دونها فالصلح عنها مَبْنِيّ على الخِلاَفِ في أن موجب العَمْدِ ماذا؟ وسيأتي في موضعه -إن شاء الله تعالى-.
والمسألة الثالثة: لا شك أنه لو قال -من غير سبق خصومة-: يعني دارك هذه
¬__________
(¬1) عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن زاز الأستاذ أبو الفرج السرخسي، فقيه مرو، ولد سنة إحدى واثنتين وثلاثين وأربعمائة، وكان أحد أئمة الإسلام، ومن يضرب به المثل في الآفاق، توفي بمرو في ربيع الآخر سنة أربع وتسعين وأربعمائة، ابن قاضي شهبة (1/ 266) ابن السبكي (3/ 221) شذرات الذهب (3/ 400) مرآة الجنان (3/ 156).

الصفحة 86