كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 5)

إبراءٌ عَنْ بَعضِ الدَّيْنِ (¬1)، فإن استعمل لفظ الإبراء أو ما في مَعْنَاه، كما إذا قال: أبرأتك عن خمسمائة من الألْفِ الذي عليك وصالحتك عَنِ الباقِي، برئت ذمته عما أبرأه منه ولم يشترط القبول، وفيه وجه بعيد يشرط في كل إِبْرَاء، ولا يشترط قَبْضُ البَاقِي في المَجْلِسِ، وإن اقتصر على لَفْظِ الصُّلْحِ، فقال: صالحتك عن الألف الذي لِي عَلَيْك على خمسمائة فوجهان، كنظيرهما في صُلْحِ الحَطِيطَةِ في العَيْنِ. والأصح: الصحة، ثم هَلْ يشترط القَبُول؟ فيه وجهان كالوجهين فيما إذا قال لمن عليه الدين: وَهَبْتُهُ مِنْكَ، والأظهر الاشتراط، لأنّ اللفظ بوَضْعِهِ يقتضيه، ولو صالح منه على خمسمائة معينة فالوجهان جاريان، ورأى الإمام وجه الفَسَاد هاهنا أظهر؛ لأنّ تعيين الخمسمائة يقتضي كَوْنُها عِوَضًا، وكون العقد معاوضة فيصير بائعًا لألْفٍ بخمسمائة، ولصاحب الوجه الأول أن يمنعه، ويقول: الصُّلح مِنْهُ على البعض المُعَيَّنِ إِبْرَاءٌ واستيفاءٌ لِلْبَاقِي، ولا يصح هذا الضَّرْبُ بِلَفْظِ البَيْعِ، كما في نَظِيرِهِ مِنَ الصُّلْحِ عَنِ العَيْنِ ولو صالح من أَلْفٍ حَالٍّ عَلَى ألفٍ مُؤَجَّلٍ، أو من أَلْفٍ مُؤَجلٍ على أَلْفٍ حَالٍّ، فهو لاَغٍ؛ لأنه في الصورة الأولى وَعْدٌ من رب المال بإلْحاقِ الأَجَلِ، وفي الثانية من المديون بإسقاط الأجل، والأجل لا يلحق، ولا يسقط، نعم لو عجل من عليه المؤجل، وَقِبَلهُ المستحق سَقَطَ الأجلُ بما جرى من الإِيفاء، والاستيفاء، وكذلك الحكم في الصَّحِيح، والمكسر.
ولو صالح من أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ على خمسمائة حَالَّة، فهذا الصُّلْحُ فَاسِدٌ؛ لأنه نزل عن بعض المقدار لتحصيل الحُلولِ فِي البَاقِي، والصفة بانفرادها لا تُقَابَلُ بالْعِوَضِ، ثم صِفَةُ الحُلُولِ لا تلتحق بالمَالِ المُؤَجَّلِ، وإذا لم يحصل ما نزل عن القَدْرِ لتحصيله لم يصح النزول، ولو صالح عَنْ أَلْفٍ حَالٍّ على خمسمائة مُؤَجَّلَةٍ، فهذا لَيْسَ فيه شَائِبَةُ المعاوضة، ولكنه مُسَامَحَهُ من وجهين.
أحدهما: حَطّ بَعْضِ القَدْرِ.
والثاني: إلْحَاق الأَجَلِ بالْبَاقِي، والأوَّلُ سَائِغٌ، فيبرأ عن خمسمائة، والثَّاني وَعْدٌ لا يلزم، فله أن يطالبه بالباقي في الحَالِ.
فروع:
أحدها: قال أحد الوارِثينَ لِصاحِبِهِ: تركت نصيبي من التركة إليك، فقال: قبلت لَمْ يَصِحْ، ويبقى حقه كَما كانَ؛ لأنها إن كانت أعيانًا فلا بُدَّ فيها من تَمْلِيكٍ وَقَبولٍ، وإن كان فِيهَا دَيْنٌ عليه فلا بُدَّ من إِبْرَاءٍ، ولو قال: صالحتك من نصيبي عَلَى هَذا الثَّوْبِ،
¬__________
(¬1) قال في الخادم: يستثنى منه ما لو كان الدين عشرة مثلاً وأدى الضامن وأبرأه المستحق عن الباقي فلا يبرأ الأصيل وهذا واضح لا أشكال فيه.

الصفحة 89