كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 6)

قوام العقد بهما، فمن هذا المال، ومن هذا العمل لتساويهما في استحقاق الربح.
وأما المُضَاربة، فإنه تقع على هذا العقد؛ لأن كل واحد منهما يضرب في الربح بسهم، أو لما فيه من الضرب بالمال، والتقليب، ويقال للمالك من اللفظة الأولى: مقارض، وللعامل، ومُقَارض، ومن اللفظة الثانية يقال للعامل مضارب؛ لأنه الذي يضرب بالمال، ولم يشتقوا للمالك منها اسمًا.
واحتج الأصحاب للقراض بإجماع الصحابة، ذكر الشَّافِعِيُّ -رضي الله عنه- في "اختلاف العراقيين" أن أَبَا حَنِيْفَةَ روى عن حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ الأَنْصَارِيِّ عن أبيه عن جده أن عُمَرَ بْنَ الخَطَّاب رضي الله عنه أعطى مال يتيم مضاربة فكان يعمل به في "العِرَاقِ" (¬1). وروي أنَّ عَبْدَ اللهِ وعُبَيْدَ الله ابْنَي عُمَرَ بْنِ الخَطَّاب لقيا أَبا مُوسَى بـ"البصرة" عند مصرفهما من غزوة "نَهاوند" (¬2) فتسلَّفا منه مالًا وابتاعا به متاعًا، وقدما "المدينة"، فباعا وربحا فيه، فأراد عُمَرُ -رضي الله عنه- أخذَ رأس المال، والربح كله فقالا: لو تلف كان ضمانه علينا، فكيف لا يكون ربحه لنا؟
فقال رجل لأمير المؤمنين: لو جعلته قِراضًا، فقال: قد جعلته، وأخذ منهما
¬__________
(¬1) البيهقي بسنده إلى الشافعي في كتاب اختلاف أنه بلغه عن حميد بن عبد الله بن عبيد الأنصاري عنه أبيه عن جده به. (تنبيه) قال ابن داود شارح المختصر: الرجال الذي أعطاه عمر المال هو عبيد الأنصاري. قلت: وعبيد هو راوي الخبر، ولم أر في طريق الشافعي التصريح بأنه هو الذي أعطاه عمر، ولكنه عند ابن أبي شيبة عن وكيع ابن أبي زائدة، عن عبد الله بن حميد بن عبيد عن أبيه عن جده: أن عمر دفع إليه مال يتيم مضاربة التلخيص 3/ 57.
(¬2) بفتح النون الأولى وتكسر، والواو مفتوحة، ونون ساكنة، ودال مهملة: هي مدينة عظيمة في قلبة همذان بينهما ثلاثة أيام، قال أبو المنذر هشام: سميت نهاوند لأنهم وجدوها كما هي، ويقال إنها من بناء نوح عليه السلام أي نوح وضعها إنما اسمها نوح أَوَنْد فخففت وقيل نهاوند، وقال حمزة: أصلها بنو هاوند فاختصروا منها ومعناه الخير المضاعف، قال بطليموس: نهاوند في الإقليم الرابع، طولها اثنتان وسبعون درجة، وعرضها ست وثلاثون درجة، وهي أعتق مدينة في الجبل، وكان فتحها سنة 29، ويقال سنة 20، وذكر أبو بكر الهذلي عن محمد بن الحسن: كانت وقعة نهاوند سنة 21 أيام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وأمير المسلمين النعمان بن مُقَرّن المزني، وقال عمر: إن أصبت فالأمير حذيفة بن اليمان ثم جرير بن عبد الله ثم المغيرة بن شعبة ثم الأشعت بن قيس، فقتل النعمان وكان صحابيًّا فأَخذ الراية حذيفة وكان الفتح على يده صلحًا وقال المبارك بن سعيد عن أبيه قال: نهاوند من فتوح أهل الكوفة والدّينور من فتوح أهل البصرة، فلما أكثر الناس بالكوفة احتاجوا إلى أَن يرتادوا من النواحي التي صولح على خراجها فصيرّت لهم الدينور وعوّض أهل البصرة نهاوند لأنها قريبة من أصبهان فصار فضل ما بين خراج الدينور ونهاوند لأهل الكوفة فسميت نهاوند ماه البصرة والدينور ماه الكوفة، وذلك في أيام معاوية بن أبي سفيان.
(ينظر معجم البلدان [نهاوند])

الصفحة 4