كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 7)

واللَّفْظَةُ فيما ذكرَ الأزْهَرِيُّ (¬1) مشتقةٌ من قولِهِم وصيت الشيء أصيه ايصاء إذا وصلته به وأوصى وَاصِيَةً، أيْ: مُتصلة البنات، فَسُمِّيَ هذا التصرُّفُ وصيَّةً لِمَا فِيهِ من وصلِ القُرْبةِ الواقعةِ بَعْدَ الموتِ بالقُرُبَات المُنَجَّزَةِ في الحياةِ، ودَلاَلاَتُ الإِجْمَاعِ والكتابِ والسُّنَّةِ مُتَعَاضِدة عَلَى جَوَازِ الوَصِيَةِ؛ قال الله تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء- 12] وعن أبي قَتَادَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَدِمَ المَدِينةَ، فَسَأَلَ عَنِ البَرَاءِ بْنِ مَعْرَورٍ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ هَلَكَ، وأَوْصَى لَكَ بِثُلُثِ مَالِهِ فَقَبَلَهُ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى وَرَثَتِهِ (¬2).
وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أبي وَقَّاصٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- مَرِضْتُ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمَكَّةَ فجاءني رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَعُوْدُنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَلَغَ بِيَ مِنَ الْوَجَعِ مَا تَرَى وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلاَ يَرِثُنِي إِلاَّ ابْنَةٌ لِي، أَفَأَتَصَدَّقُ؟
وَيُرْوَى: "أَفَاُوصِي بثُلْثَيْ مَالِي؟ فَقَالَ: لاَ، فَقُلْتُ: فَبِشَطْرِهِ؟ قَالَ: لاَ، قُلْتُ: فَبِالثُّلُثِ؟ قَالَ: الثُّلُثُ، والثُّلُثُ كثِيرٌ" وُيرْوَىَ: "كَبيرُ؛ إنَّكَ أنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ" (¬3).
وعن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّهُ قَال: "إِنَّ اللهَ أَعْطَاكُمْ ثُلُثَ أمْوَالِكُمْ في آخِرِ أَعْمَارِكُمْ؛ زِيادَةً في أَعْمَالِكُمْ" (¬4) قَالَ العُلَمَاءُ: وَكَانَتِ الوَصِيَّةُ وَاجِبَةً في ابْتِدَاءِ الإِسْلاَمِ؛ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيهِ قَوْلهُ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ...} [البقرة- 180] الآيَةَ، ثُمَّ نُسِخَ الوُجُوبُ، وَبَقِيَ الاِسْتِحْبَابُ.
وَاحتَجُّوا عَلَى نَفْيِ اَلوُجُوبِ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ
¬__________
(¬1) ينظر تهذيب اللغة (12/ 267 - 268).
(¬2) أخرجه الحاكم والبيهقي عنه من حديثه، وفي الإسناد نعيم بن حماد؛ ورواه الطبراني في ترجمة البراء بن معرور من طريق أبي قتادة، عن البراء بن معرور به.
(¬3) تقدم.
(¬4) رواه الدارقطني والبيهقي من حديث أبي أمامة عن معاذ بلفظ: إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم، زيادة لكم في حسناتكم، ليجعل لكم زكاة في أموالكم، وفيه إسماعيل بن عياش وشيخه عتبة ابن حميد وهما ضعيفان، ورواه أحمد من حديث أبي الدرداء ولفظه: "إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم" ورواه ابن ماجه والبزار والبيهقي، من حديث أبي هريرة بلفظ: "إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم، زيادة لكم في أعمالكم"، وإسناده ضعيف، وفي الباب عن أبي بكر الصديق رواه العقيلي في تاريخ الضعفاء، من طريق حفص بن عمر بن ميمون وهو متروك، عن خالد ابن عبد الله السلمي وهو مختلف في صحبته، رواه عنه ابنه الحارث وهو مجهول.

الصفحة 4