كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 7)
كل بلدة يمتدُّ إلى ما فيها من الأموال، فالنقل يوحشُهم، واختلفت طرق الأصحاب في موضع القولَيْن من وجهين:
أحدهما: ذهب ذاهبون إلى أن القولين في أنه، هل يجوز النقل؟ وفي أنه إذا نَقَلَ، هل يسقط الفَرْض؟ وقيل: لا خلافَ في أنه لا يجوز النقل، والقولان في أنه لو نقل، هلْ يسقط الفرض؟ ففي قول: لا يسقط؛ لأن النقل منهيٌّ عنه.
وفي آخر: يسقطُ بعود المنفعة إلى الفقراء.
وقيل: لا خلاف في أنه لو نقل يسقط الفرض، والقولان في أنه هَلْ يجوز النقل؟ فهذه ثلاثةُ طرقٍ:
وأصحُّهما: عند الأئمة أوسطُها.
والثاني: قال قائلون: القولانِ فيما إذا نقل إلَى مسافة القصر فما فوقها، فأما إذا نقل إلى [ما] دون مسانة القصر، فلا بأس كما لو نقل في البلد الكبير من مَحَلَّه إلَى مَحَلَّة، وطرد آخرون الخلاف (¬1)، وهو الصحيح.
وليعلم قوله في الكتاب: "الجواز لعُمُومِ الآية" بالميم والألف.
وقوله: "المنع" بالحاء؛ لما ذكرنا.
وقوله: "لمذْهَب مُعَاذٍ" -رضي الله عنه- لم يرد به حديثَ بعثه إلَى اليمن؛ لأنه قال في "الوسيط": لمذهب معاذ ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: "أخْبِرْهُم أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أغْنِيَائِهِمْ ... " الخَبَرَ، وكأنه أراد أنَّ معاذاً -رضي الله عنه- صار إلى منع النقل؛ لما رُوِيَ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنِ انْتَقَلَ من مِخْلاَفِ عَشِيرَتِهِ إلى غَيْرِ مِخْلاَفِ عَشِيرَتِهِ، فَصَدَقَتُهُ وعشرة في مِخْلاَفِ عَشِيرَتِهِ" (¬2) وأراد ما إذا انتقل عنه، وترك ماله فيه، والأقوال الثلاثةُ عَلَى ما نظمها تتولد من الطرق المذكورة من قَبْل.
ثم في الفَصْلِ صورتان:
إحداهما: إذا أوصى للفقراء والمساكينِ وسائرِ الأصنافِ، هل يجوز نقله إلى بَلَد آخر؟ فيه طريقانِ، شرَحْنَاهما في "باب الوصية":
أحدهما: أنه على الخلاف في "الزكاة"، وهذا ما حكاه هاهنا.
والثاني: ترتيب الوصية على الزكاةِ، والوصيةُ أولَى بالجوازِ، وهذا ما ذكره هناك، ولو لم يذكر الصورةَ إلاَّ في موضع واحد، وجمع فيه بين الجوابين، كان أحسن،
¬__________
(¬1) قال النووي: وإذا منعنا النقل، ولم نعتبر مسافة القصر، فسواء نقل إلى قرية بقرب البلد، أم بعيدة. صرح به صاحب "العدة" وهو ظاهر.
(¬2) أخرجه سعيد بن منصور بإسناد متصل صحيح إلى طاوس، قال في كتاب معاذ فذكره.