كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 7)
مَعْصُومَة لا تجتمع على الضَّلاَلَةِ (¬1)، وصفوفهم كصفوف الملائكة، وكان لا ينام قَلْبُهُ، ويرى من وراء ظهره كما يرى من قُدَّامِهِ (¬2)، وتطوعه بالصلاة قاعداً كتطوعه قائماً، وَإنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ، وفي حَقِّ غيره ذاك على النصف من هذا (¬3).
ويخاطبه الْمُصَلِّي بقوله: "سَلاَمٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةٌ اللَّه" ولا يخاطب سائر الناس، وكان لا يجوز لأحد -من الآدميين- رفع صوته فَوْقَ (¬4) صَوْتِهِ، وأن يُنَادَى مِنْ
¬__________
(¬1) قال الحافظ: هذا في حديث مشهور له طرق كثيرة، لا يخلو واحد منها من مقال، منها لأبي داود عن أبي مالك الأشعري مرفوعاً: إن الله أجاركم من ثلاث خلال: أن لا يدعو عليكم نبيكم لتهلكوا جميعاً، وأن لا يظهر أهل الباطل على أهل الحق، وأن لا يجتمعوا على ضلالة، وفي إسناده انقطاع، وللترمذي والحاكم عن ابن عمر مرفوعاً: لا تجتمع هذه الأمة على ضلال أبداً، وفيه سليمان بن شعبان المدني وهو ضعيف، وأخرج الحاكم له شواهد، ويمكن الاستدلال له بحديث معاوية مرفوعاً: لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله، أخرجه الشيخان، وفي الباب عن سعد وثوبان في مسلم، وعن قرة ابن إياس في الترمذي وابن ماجة، وعن أبي هريرة في ابن ماجة، وعن عمران في أبي داود، وعن زيد بن أرقم عند أحمد، ووجه الاستدلال منه: أن بوجود هذه الطائفة القائمة بالحق إلى يوم القيامة، لا يحصل الاجتماع على الضلالة، وقال ابن أبي شيبة نا أبو أسامة عن الأعمش عن المسيب بن رافع عن يسير بن عمرو قال: شيعنا أبا مسعود حين خرج، فنزل في طريق القادسية، فدخل بستاناً فقضى حاجته، ثم توضأ ومسح على جوربيه، ثم خرج وإن لحيته ليقطر منها الماء، فقلنا له: اعهد إلينا فإن الناس قد وقعوا في الفتن، ولا ندري هل نلقاك أم لا، قال: اتقوا الله واصبروا حتى يستريح بر، أو يستراح من فاجر، وعليكم بالجماعة فإن الله لا يجمع أمة محمد على ضلالة، إسناده صحيح، ومثله لا يقال من قبل الرأي، وله طريق أخرى عنده عن يزيد بن هارون عن التيمي عن نعيم بن أبي هند: أن أبا مسعود خرج من الكوفة فقال: عليكم بالجماعة، فإن الله لم يكن ليجمع أمة محمد على ضلال قاله الحافظ.
(¬2) هو في الصحيحين وغيرهما من حديث أنس وغيره، والأحاديث الواردة في ذلك مقيدة بحالة الصلاة، وبذلك يجمع بين هذا وبين قوله: لا أعلم ما وراء جداري هذا قاله الحافظ.
(¬3) قال النووي: هذا قد قاله صاحب "التلخيص"، وتابعه البغوي، وأنكره القفال، وقال: لا يعرف هذا، بل هو كغيره، والمختار الأول، لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: "أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوجدته يصلي جالساً، فقلت: حدثت يا رسول الله أنك قلت: "صلاة الرجل قاعداً على نصف الصلاة" وأنت تصلي فاعداً: قال: "أجل [120 - 735] ولكني لست كأحد منكم رواه مسلم في "صحيحه".
(¬4) لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} وجه الدلالة أنه توعد على ذلك بإحباط العمل، فدل على التحريم، بل على أنه من أغلظ التحريم، وفي الصحيح: أن عمر قال له: لا أكلمك، بعد هذا إلا كأخي السرار، وفيه قصة ثابت بن قيس، وأما حديث ابن عباص وجابر في الصحيح: أن نسوةكن يكلمنه عالية أصواتهن، فالظاهر أنه قبل النهي قاله الحافظ.
قوله: وأن يناديه من وراه الحجرات، دليله الآية أيضاً، ووجه الدلالة من قوله بأنهم لا يعقلون، =