كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 7)

دَيْنٍ} [النساء- 12] فنكر (¬1) الْوَصِيَّةِ؛ كما نَكَّرَ الدَّيْنَ، وَلَوْ وَجَبَتِ الوَصِيَّةُ، لَأَشْبَهَ أَنْ يَقُولَ: "مِنْ بَعْدِ الوَصِيَّةِ" وَبِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوصَ، يُقَسَّمُ جَمِيعُ مالِهِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ بِالإِجْمَاع، وَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً، لخَرَجَ [شَيْءٌ مِنَ] المَالِ عَنْ قِسْمَةِ اَلوَرَثَةِ، كَالدَّيْنِ، وَبِأنَّهَا عَطِيَّةٌ، فَلاَ تَجِبُ، كَالهِبَةِ فِي الحَيَاةِ، وَبِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَا حَقِّ امْرِئٍ مُسْلم لَهُ مَالٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ، إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ (¬2) عِنْدَهُ" فَوَّضَ الوَصِيَّةَ إِلَيْهِ، وَعَلَّقَهَا بِإِرَادَتِهِ.
والَّذِي رُوِيَ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقِ أَنَّه -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوْصِي فِيهِ، يَبِيْتُ لَيْلَتَيْنِ، إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَة عِنْدَهُ". فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: يُحْتَملُ أَنْ يَكُونَ المُرَاد ما الحزم وَالاحْتِيَاطُ إِلاَّ هَذَا، وَذَلِكَ؛ لأنَّهُ قَدْ يُفَاجِئُهُ المَوْتُ، وَمَا يَنْبَغِي أنْ يَغْفَلَ المُؤْمِنُ عَنِ اَلمَوْتِ، والاسْتِعْدَادِ لَهُ، والإِنَابَةِ إِلى الدَّارِ الآخِرَةِ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اَلمُرَادُ: ما الْمَعْرُوفُ في مَكَارِمِ الأَخْلاَقِ إِلاَّ هَذَا، وَهُوَ مثل مَا رُوِيَ أَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "حَقُّ [على] (¬3) كُلِ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ في الأُسْبُوعِ مَرَّةً" (¬4) فَظَهَرَ بِالْوُجُوهِ المذكورة أَنَّ الوَصِيَّةَ لَيْسَتْ وَاجِبَةِ.
نَعَمْ، مَنْ عِنْدَهُ وَدِيعَة، أو في ذِمَّتِهِ حَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى؛ مِنْ زَكَاةٍ، أَوْ حَجٍّ، أَوْ دَيْنٍ لآِدْمِيٍّ، يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوصِيَ فيه، إذاً لَمْ يُعْلِمْ بِهِ غَيْرَه (¬5).
وأَمَّا الاسْتِحْبَابُ، فَالأَفْضَلُ تَعْجِيلُ الصَّدقَةِ في الحَيَاةِ [لِمَا رُوِيَ] عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "أَفْضَلُ الصَّدقَةِ أَنْ يَتَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَأْمُلُ الْغِنَى، وَتَخْشَى الفَقْرَ، وَلاَ تُمْهِلْ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ: لِفُلاَنٍ كذا" (¬6).
وإِنْ أَرَادَ الوَصِيَّةَ، فَالأَفضَلُ أنْ يُقَدِّمَ مَنْ لاَ يَرِثُ مِنْ أَقَارِبِهِ، وَيُقَدِّمَ مِنْهُمُ [الأَقَارِبُ] المَحَارِمَ، ثُمَّ غَيْرَ الْمُحَارِمِ، ثُمَّ يُقَدِّمُ بِالرِّضَاعِ، ثُمَّ بِاَلمُصَاهَرَةِ، ثُمَّ بِالوَلاَءِ،
¬__________
(¬1) في ز: نكر.
(¬2) متفق عليه.
(¬3) سقط في ز.
(¬4) متفق عليه من حديث أبي هريرة بلفظ: حق لله على كل مسلم أن يغتسل في سبعة أيام يوماً، يغسل رأسه وجسده، زاد النسائي: وهو يوم الجمعة.
(¬5) قال النووي: المراد إذا لم يعلم به من يثبت بقوله والله أعلم.
قال في الخادم: ينبغي أن يزيد ولا يخشى من كتمانه لبعض الورثة والموصى له ومن غيرهم، ولو قال من يوثق به لكان أولى، وتمثيله بما ذكر يقتضي تخصيصه بما تدخله النيابة فلا تصح الوصاية بالصلاة الفائتة في ذمته.
(¬6) متفق عليه من حديث أبي هريرة.

الصفحة 5