كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 7)

ثمَّ بِالجِوَارِ، كَمَا في الصَّدَقَاتِ المُنَجَّزَةِ. وفِي "أمالي" أَبِي الفَرَجَ السَّرْخَسِيِّ -رَحمه الله-؛ أَنَّ مَنْ قَلَّ مَالُهُ، وكَثُرَ عِيَالُهُ، فَالْمُسْتَحَبُّ له أَلاَّ يُفَوِّتَهُ عَلَيْهِمْ بالوصية والمَشْهُورُ الأَوَّلُ (¬1).
إذاً تَقَرَّرَ ذَلِكَ، فَالْوَصِيَّة قَدْ يَكُونُ لِلإِنْسَانِ، وَقَدْ تَكُونُ إليه، والوَصِيَّةُ لَهُ قَدْ تَصِحُّ، وَقَدْ تَفْسُدُ، وَإِذَا صَحَّتْ، فَقَدْ يَسْتَمِرُّ المُوصِي عَلَيْهَا، وَقَدْ يَرْجِعُ، وَإِذَا اسْتَمَرَّ، أُمْضِيَتْ، وحِكْمَ بِمُوجِبَهَا، وَهَذِهِ الْمَقَاصِدُ مَحْصُورَةٌ في الكِتَابِ في أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ:
أَحَدُهَا: في أَرْكَانِ الوَصِيَّةِ، ويُبَيَّنْ فيه صحيحُهَا مِنْ فَاسِدِهَا.
وَالثَّانِي: في أَحْكَامِهَا، إِذَا صَحَّتْ، واسْتَمَرَّ الفوصِي عَلَيْهَا.
والثَّالِثُ: في الرُّجُوعِ عَنْهَا.
والرَّابعُ: في الوَصَايَا بِأرْكَانِهَا، وَأَحْكَامِهَا.
أَمَّا البَابُ الأَوَّلُ؛ فَلِلْوَصِيَّةِ عَلَى الرَّسْم الْمَعْهُودِ أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ: المُوصِي، والوَصِيُّ، والمُوصَى لَهُ، والمُوصَى بِهِ. والصِّيغَةُ.
اَمَّا المُوصِي، فقال صَاحِبُ الكِتَابِ: "وَتَصِحُّ الوَصِيَّةُ مِنْ كُلِّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ وفِي هَذَا الضَّبْطِ قَيْدَانِ:
أَحَدُهُمَا: التَّكْلِيفُ، فَلاَ يَصِحُّ وَصِيَّةُ المَجْنُونِ، وَالمُبَرْسِمِ والمَغتُوهِ الَّذِي لاَ يَعْقِلُ، والصَّبِيِّ الَّذِي لاَ يُمَيِّزُ، وَفِي وَصِيَّةِ الصبِيِّ المُمَيِّز وَتَدْبِيرِهِ قَوْلاَنِ:
أَرْجَحُهُمَا: عِنْدَ الأُسْتَاذِ أبي مَنْصُورٍ -رحمه الله-: أَنَّهُمَا صحيحتان؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ غُلاَمَاً مَنْ غَسَّانٍ حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ، وَلَهُ عَشْرُ سِنِينَ، فَأَوْصَى لِبِنْتِ عَمٍّ لَهُ، وَلَهُ وَارِثٌ، فَرُفِعَتِ، القِصَّةُ إِلَى عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَأَجَازَ وَصِيَّتَهُ (¬2).
¬__________
(¬1) قضية قوله كما في الصدقة المنجزة "يقدم فيها غير الوارث على الوارث، والمذكور في باب صدقة التطوع أن الوارث مقدم.
وقضية كلامه أيضاً أن من له عيال وهو قليل المال يستحب له الوصية على الصحيح، والأصح عند الشيخ المصنف أنه لا يجوز إذا كان ذلك يضيع عياله. وقال الشيخ: إنه مكروه.
(¬2) أخرجه مالك من حديث عمرو بن سليم الزرقي أنه قال لعمر بن الخطاب: إن ههنا غلاماً لم يحتلم من غسان، ووارثه بالشام، وهو ذو مال، وليس له هاهنا إلا ابنة عم، فقال عمر: فليوص لها -الحديث- ورواه أيضاً من وجه آخر وفيه: أن الغلام كان ابن اثنتي عشرة سنة أو عشر سنين، =

الصفحة 6