كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 7)

لاَ يَظْهَرُ فيها قَصْدُ القُرْبَةِ الخِلاَفُ الَّذِي سَبَقَ ذِكرُه في "الوقفِ" على الأغنياءِ، وحينَئِذٍ فَيُشْبِهُ مَجِيئُه في الوصية لِفَكِّ أُسَارَى الكُفَّار؛ لأنَّه، وإنْ جَازَ، فلا يكادُ يَلْتَحِقُ بالمَنْدُوباتِ، والقُرُبَاتِ.
ولْيُعْلَمْ قولُه: "إلاَّ أنْ يُوصِيَ بِخَمْر، أوْ خِنْزِير، وَلِعِمَارَةِ الكَنِيسَةِ، وَبِنَائِهَا". [بالحاء لأن أبا حنيفة -رحمه الله- يُجوِّز وصية الكافر بالخمر والخنزير] (¬1).
واعلَمْ أنَّ هَذه المسْأَلَةَ، والتي بَعْدَهَا، كالأجنبيِّ عن هذا الرُّكْنِ، فإنَّه معقودٌ لبيانِ مَنْ تَصحُّ منه الوصيةُ.
والكافرُ تَصِحُّ وصيَّتُه في الجُمْلَةِ، لكِنْ لَمَّا كانَ صدورُ هذه الوصِيَّةِ وَنَحْوِها من الكافر أَظْهَرَ، حَسُنَ إِيرَادُهَا مَعَ ذِكْرِ وصيَّةِ الكَافِرِ، والله أعلم.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: الرُّكن الثَّانِي: المُوصَى لَهُ وَهُوَ كُلُّ مَنْ يُتَصَوَّر لَهُ المِلْكُ إِلاَّ القَاتِلَ وَالوَارِثَ، فَلَوْ أَوْصَى لِحَمْلٍ جَازَ بِشَرْطِ أَنْ يَنْفَصِلَ حَيّاً لِوَقْتٍ يُعْلَمُ وُجُودُهُ عِنْدَ الوَصِيَّةِ، وَهُوَ لِمَا دُونَ سِتَّةِ أَشْهرٍ، فَإِنْ كَانَ لِمَا فَوْقَهُ وَالمَرْأَةُ ذَاتُ زَوْجٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ لِظُهُورِ طَرَيَانِ العُلُوقِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَأَظْهَرَ الوَجْهَيْنِ أنَّهُ يَسْتَحِقُّ، إِلاَّ أَنْ يُجَاوِزَ أَرْبَعَ سِنِينَ لِأَنَّ طَرِيَانَ وَطءِ الشَّبْهَةِ بَعِيدٌ، وَمَهْمَا انْفَصَلَ مَيِّتاً وَلَوْ بِجِنَايَةِ جَانٍ فَلاَ شَىْءَ لَهُ، وَلَوْ أَوْصَى لِحَمْلٍ سَيَكُونُ فَسَدَ في أَصَحِّ الوَجْهَيْنِ إِذْ لاَ مُتَعَلَّقَ لِلعَقْدِ في الحَالِ، وَلَوْ أَوْصَى بِحَمْلٍ سَيَكُونَ صَحَّ في أصَحِّ الوَجْهَيْنِ، كَالوَصِيَّةِ بِالمَنَافِعِ وَثمَارِ الأَشْجَارِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: الوصِيَّةُ إِمَّا أن تَكُونَ لِجِهَةٍ عَامَّةٍ، أَوْ لِشَخْص مُعَيَّن؛ إنْ كانت لجِهةٍ عامةٍ، فالشَّرطُ ألا تكون جهة معصيةٍ، وَقَدِ انْدَرَجَ ذكرُه في الرُّكنِ الأَوَّلِ، وإنْ كانت لِمُعَيَّنِ، فينبغي أن يُتَصَوَّرَ له المِلك (¬2)، ويتعلَّقُ بهذا الضَّبْطِ مسائل دُخولاً وخروجاً.
أحدها: الوصيةُ للحملِ جائزةٌ؛ لأن الوصيةَ أَوْسعُ مجالاً مِنَ الإرث؛ ألاَ تَرى أنَّ المُكَاتَبَ والكافرَ لا يَرِثانِ، ويجوز لهُمَا الوصيةُ، فهذا أثْبِتَ الميراثُ لِلْحَمْلِ، فالوصيَّةُ أَوْلَى بالْجَوَازِ.
ثُمَّ يُنْظَر؛ إنْ قال: أوصيتُ لِحَمْلِ فلانةٍ، أو لحملِ فلاَنَة الموجودِ الآنَ، فلا بُدَّ لِنُفُوذِ الوصيَّةِ من شَرْطَينِ:
¬__________
(¬1) سقط في أ، ز.
(¬2) قال الشيخ البلقيني: هذا الضبط ليس بمستقيم، فالعبد لا يتصور له الملك والوصية له صحيحة حتى لو عتق قبل الموت كانت له والمرتد كذلك.

الصفحة 9