كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 8)

هكذا ذكر صَاحِبُ "التَّهْذِيبِ" وآخرون، ولك أن تقول: إذا لم يجب على الزوجة خدمة الزوج وتعهده، فكيف تزوج منه لهذا الغرض، وربما تمتنع المرأة من أن تخدمه، ولا تفي وإن وعدت وربما يلحق بالوجهين ما إذا توقع شفاؤه بالنِّكَاحِ، وإذا جاز التزويج من تولاه الأَبْ أو الجَدُّ، فَإِنْ لم يكونا فالسلطان دون سائر العصبات كما أنه يلي ماله.
وأما المجنون الصغير: ففي وجه يزوج منه كما يزوج من العاقل، وعلى هذا فلا
يتولاه إلاَّ الأَبُ وَالْجَدُّ، وَالمْذْهَبُ الظَّاهِرُ مَنْعُ التَّزْوِيجِ منه؛ لأنه لاَ حَاجَةَ إليه في الحال، وبعد البلوغ لا يدري كيف يكون الأمر، بخلاف الصغير العاقل فإن الظاهر حاجته إلى النِّكَاحِ بعد البُلُوغِ، وَلاَ مَجَالَ لِحَاجَةِ التَّعَهُّدِ والخدمة فإن الأجنبيات يجوز أن يَقُمْنَّ بخدمته.
وعن الشَّيخِ أَبِي مُحَمَّدٍ: أنه خرّج على هذين الوجهين التزويج من الصغِيرِ الْمَمْسُوحِ، ومتى جَازَ التَّزْوِيجُ مِنَ الُمَجْنُونِ فَلاَ يزوج منه إلا امرأة واحدة؛ لأن الْحَاجَةَ تندفع بها. وفي الصغير العاقل وجهان:
أحدهما: أنَّ الحُكْمَ كَذَلِكَ كيلا تكثر المؤنة عليه مع وقوع الكفاية بالواحدة.
وأظهرهما: جَوَازُ الزِّيَادَةِ، وهو الْمَذْكُورُ في "الْكِتَابِ"؛ لأنَّ المَرْعيَّ في نكاحه المصلحة، وقد تكون له فيه مصلحة وَغِبْطَةٌ، والمختل كالمجَنون في النِّكَاح، وَهُوَ الَّذِي في عَقْلِهِ خَلَلُ، وَفِي اعْضَائِهِ اسْتِرْضَاءُ، وَلاَ حَاجَةَ بِهِ إِلَى النِّكَاحِ غَالِباً.
وقوله في "الْكِتَاب": "فللأب التزويج منه عند ظُهُورِ الْحَاجَةِ" ليس للتخصيص بالأب بل الجد والسُّلْطَاَنُ في معناه كما تبين، واللهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الغَزَالِيٌّ: وَأَمَّا الْمَجْنُونَةُ فَيُزَوَّجُهَا بِمُجَرَّدِ المَصْلَحَةِ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً بِكْراً كَانَتْ أَوْ ثَيِّباً، وَفِي الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ وَجْهٌ أَنَّهُ لاَ يُزوِّجُهَا وَاِذَا بَلَغَتْ عَاقِلَة ثُمَّ جُنَّتْ عَادَتِ الوِلاَيَة للأبِ في الأصَحِّ، وَاليَتِيمَةُ البَالِغَةُ الْمَجْنُونَة يُزَوِّجُهَا (و) السُّلْطَانُ عِنْدَ ظُهُورِ الحَاجَةِ، وَيُشَاوِرُ أَقَارِبَهَا، وَالمُشَاوَرَةُ وَاجِبَةٌ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ، وَقِيلَ: يُزَوِّجُ بِمجَرَّدِ المَصْلَحَةِ دُونَ الحَاجَةِ
قَالَ الرَّافِعِيُّ: ظَاهِرُ الْمَذهَب أَنَّ الأَبَ وَالْجَدَّ عِنْدَ عَدَمِهِ يزوجان المجنونة، كما يزوجان الصغيرة، ولا فَرْقَ بين أن تَكون صَغِيْرَةً، أَوْ كَبِيْرَةً بِكرًا، أَو ثَيِّباً ووراءه وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لاَ يَسْتَقِلُّ الأبُ بتزويج الْكَبِيْرَةِ الثَّيِّبِ، بَل يَفْتَقِّرُ إِلَى إِذْنِ السُّلْطَانِ بَدَلاً عَنْ إِذْنِهَا.

الصفحة 12