كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 8)

اختيارٌ للنكاح، وإنْ أَرَادَ الفراق، أو أطْلَقَ حُمِلَ على الاختِيار للفراق، وأُلْحِق بما إذا قال: فسَخْتُ نكاحَ هذا قوله "اخترت هذه للفسخ".
وقوله: "هذه للفسخ" من غير لفظ الاختيار، ولو قال لواحدة: "فارقتك" (¬1) فَعَنِ القاضي أَبِي الطَّيِّب أنَّهُ كقوله "طلقتك"؛ لأن الْفِرَاقَ صَرِيحٌ في الطَّلاَقِ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: يكون فَسْخَاً، كما لو قال: اخترتُ فراقَهَا أو لا أريدُهَا وهذا أظهر عند صاحب "الشَّامِلِ" والْمُتَوَلِّي وغيرهما، واحتجوا له بما رُوِيَ أَنَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِغَيْلاَنَ "اخْتَرْ أَرْبَعاً وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ".
فَرْعٌ: لو اختار الجميعَ للنِّكاح، فهو لغْوٌ؛ لامتناع الجمع بَيْن الزيادَةِ عَلَى أربع، ولو اختار فَسْخَ نكاح الجَمِيعِ، فكذلك؛ لأنَّ النكَاحَ مقرَّرٌ في أربع لا سبيل إِلَى فسخه، مندفعٌ في البواقي، وإنما الذي إليه التَّعْيين، ولو خاطَبَ الجميعَ بالطَّلاق، وقَع الطَّلاق على الارْبَع المنكوحاتِ، وتبْقَى الحاجَةُ إلى التَّعْيين.
الثالثة: إذا قال إن دخلْتِ الدَّارَ، فقد اخترتُكِ للنكاح أو الفَسْخِ، لم يَصِحَّ؛ لأن تعليق الاختيار لا يجوز؛ لأنَّه، إن نُزِّلَ منزلة الابتداء، كان تعليقه كتعَليق النكاح، وإن نزل منزلة الاستدامة، فإن تعليقه كتَعْلِيقِ الرَّجْعَةِ، وأيضاً، فإنه مأمور بالتَّعْيين، والاختيار المعلَّق ليس بتعيين.
وحكَى أَبُو الْفَرَجِ السَّرْخَسِيُّ وَجْهاً أن تَعْليقَ الاختيار للفَسْخ يجوز تَشْبِيهاً بالطَّلاَقِ، فإنَّ كلَّ واحدةٍ منهما سببُ الفراق، والظاهر الأول، ولو قال: إنْ دخلْتِ الدَّارَ، فَأنْتِ طَالِقٌ، فقد ذُكِرَ وجهٌ: أنه لا يجوز؛ لأن الطلاق اختيارٌ للنكاح، وتعليق الاختيار ممتنعٌ، والصحيحُ جوازُه، تغليباً، لحكم الطلاق، والاختيار يحصل ضمناً، وقد يُحْتَمَل في العقود الضمنية ما لا يُحْتَمَل عند الانفراد والاستقلال، وهذَا كما أن تعليق الإِبْرَاء لا يجوز، ولو علَّق عتق المكاتب، يجوز، وإن كان ذلك مُتَضَمِّناً للإبراء، وكما أن تعْلِيقَ التمليك لا يجوز، ولو قَالَ: اعْتِقْ عبدك، إذا جاء الغدُ على كذا، ففعل، صحَّ، وإن كان ذلك متضمناً للتمليك، ولو قال: إنْ دخلْتِ الدَّارَ، فنكاحُكِ مَفْسُوخٌ، إن أراد الطلاق، نفَذَ، وإلا، ونظيرُ هذه الصورة ما إذا أسلم الزَّوْجُ، وهنَّ متخلِّفاتٌ، فقال: كلَّما أسلمتْ واحدةٌ مِنْكُنَّ، فقد اخترتها للنِّكَاحِ، لَمْ يَصِحَّ، ولو قال: فقد طلَّقْتها، يجُوزُ على الأَصح، ولو قال: فقد فسخْتُ نكاحَهَا، فإن أراد حلَّه بلا طلاق لم يجُزْ؛ لأنَّ تعليق الفسخ لا يجوز، وأيضاً، فإنَّ التعْيينَ للفَسْخُ، قبل استيفاء العدَدِ الجائزِ غيرُ جائز، وإن أراد الطلاقَ، جاز، وإذا أسلمتْ واحدةٌ طُلِّقت، وحصل
¬__________
(¬1) في ز: فارقيني.

الصفحة 120