كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 8)

قَالَ الغَزَالِيُّ: وَأَمَّا الأَوْلِيَاءُ فَلاَ خِيَارَ لَهُمْ بِالْعَيْبِ الطَّارِئِ، وَيَثْبُتُ فِي المُقَارِنِ بِالجُنُونِ، وَلاَ يَثْبُتُ بِالجَبِّ وَالعُنَّةِ، وَفِي البَرَصِ وَالجُذَامِ وَجْهَانِ، وَقِيلَ: في الجَمِيعِ عَارٌ فَيَثْبُتُ لَهُمُ الخِيَارُ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: أوْليَاءُ الْمَرْأَةِ لَيْسَ لَهُمْ [خيار الفسخ] (¬1) بالعيوب الْحَادِثَةِ بالزَّوج، لأنَّ حَقَّهُم في الكفاءة، إنما يُرَاعَى في ابتداء الْعَقْدِ دون الدَّوَامِ؛ أَلاَّ تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَو رَغِبَتُ في نِكَاح عَبْدٍ، كان لأوليائها المَنْعُ، ولو عَتَقَت أَمَةٌ، تَحْتَ عَبْدٍ، ورَضِيَتْ بالمقام مَعَهُ، لم يكن للأولِيَاء الفسْخُ.
وأما والعيوب المقارِنَة للعَقْدِ، ففي الْجُنُونِ، لَهُمْ الْفَسْخُ، وإن رضيتِ المرأة؛ لأنهم يتعيَّرون به، وفي الجَبِّ والعُنَّةِ لا فَسْخَ لَهُمْ؛ لأنه لا عَارَ عَلَيْهِمْ بجبِّه وعُنَّته، وإِنَّما الْفَائِت بِذَلِكَ الاستمتاع، وضَرَرُه يعود إليها، وفي الجُذَامِ والبَرَصِ وجهان:
أحدهما: أنه لاَ خِيَارَ لَهُمْ؛ لأنَّ جهة الضَّرَرِ فِيهِمَا صُحْبَةُ مَنْ تعافُ النفسُ منه، وهذا المعنى يختص بها.
وَأَشْبَههُمَا: ثُبُوتُ الْخِيَارِ كَمَا في الْجُنُونِ؛ لأنَّ فيهما نُقْصَاناً ظَاهِراً، ويتعيَّرون بمواصلة مَنْ به ذلك؛ ولأن العلَّةَ قد تَتعدَّى إلَيْها وإلَى نسلها، وَمِنَ الأَصْحَابِ مَنْ حَكَمَ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهُمْ في جميع العيوب المقارنة، [وَادَّعَى] (¬2) أنهم يتعيَّرون بجميع ذَلِكَ.
وحُكِيَ عَنِ الْقَفَّالِ: أَنَّ هَذَا أَظْهَرُ الطَّرِيقَيْنِ، وَعَلَى هَذَا؛ يُخَرَّجُ حُكْمُ ابْتِدَاءِ التَّزْوِيِجِ، فَإِنْ دَعَتْ إلَى تَزْوِيجِهَا من مَجْنُونٍ، فَلَيْسَ عَلَى الأَوِليَاءِ الإِجَابَةُ وإن دَعَتْ إلَى تزويجها من مَجْبُوبٍ أو عِنِّينٍ، فعليهم الإجابة، فإِن امتنعوا، فَهُمْ عَاضِلُونَ، وَإِنْ دَعَتْ إِلَى تَزْوِيجِهَا من مَجْذُومٍ أَوْ أبْرَصٍ فَعَلَى الَوجهَيْنِ.
وعلَى ما حُكِيَ عَنِ الْقَفَّالِ: لَيْسَ عليهمُ الإِجَابَةُ في شَيْءٍ من هَذِهِ الْعُيُوبِ، وإِذَا أطلقت الكلام، ولم تفصل، قلْت: فيه ثَلاَثةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ لَهُمْ إلاَّ يُجِيبُوا.
والثاني: لَيْسَ لَهم الْمَنْعُ إلاَّ في الْجُنُونِ.
والثالث: لهم المنعُ في الجُذَامِ والبَرَصِ أيضاً، وَيُحْكَى هَذَا عَنِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
والثاني: عن أَبِي إِسْحَاقَ، ونَقَلَ الحَنَّاطِيُّ في العَيْبِ الحادِثِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَجْهاً غَرِيباً أَنَّ لِلأَوْلِيَاءِ إجبارها على اختيار الفراقِ، حَيْثُ قُلْنَا: الْمَنْعُ في الابْتِدَاءِ.
¬__________
(¬1) في ز: فسخ.
(¬2) في ز: ورأى.

الصفحة 138