كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 8)

المثلِ أما إذا أوجبنا المسمَّى غرمه، فلا رجوع به؛ لأنَّ المسمَّى، بدل ما ملك بالعقد، وسلم له، وهو الوطأة الأولَى، فَإِنَّ الْمُسمَّى تَقَرَّرَ بِهَا.
والأشبه ما في "التهذيب" وهو التسوية بين أنْ يكون المغْرُوم مهْرَ المثل، وبين أنْ يَكُونَ المغروم المسمَّى، ورأى الإمَامُ ترتيبَ القولَيْن ههنا على القولَيْن في الرجوع عنْد التَّغْرِيرِ بالحُرِّيَّة علَى ما سنذْكُرُهما، فإنْ قُلْنا: لا رُجُوع ثَمَّ، فههنا أَوْلَى، وإن قُلْنَا بالرجوع هناك، ههنا قولان: وجه التَّرْتِيب: أن التغرير هناك بالاشتراط، فههنا اشتراط، بَلْ غَايَةُ ما يفرض السكوتُ والكتمانُ على ما ستعرفه، والاشْتِرَاطُ أَبْلَغُ في التغرير، فإنْ قُلْنَا بالرُّجُوعِ، ونُظِرَ؛ إن كان التغرير والتدليسُ منها دون الوَلِيِّ، فالرجوعُ علَيْها دُونَ الْوَلِيِّ.
وصَوَّر في "التَّتِمَّةِ" التغرير منْها بأنْ خطب الزوْجُ إليها، فلم يتعرَّض لما بها من العَيْب، والْتمسَتْ من الوَلِيَّ تزْويجَهَا منْه، وأظْهَرَتْ لَهُ أَنَّهُ عرف الزَّوْج حالها، وَصَوَّرَهُ الشَّيخُ أَبُو الْفَرَجِ الزاز فيما إذا عقَدَتْ بنَفْسِها، وحكمَ حاكِمٌ بصحَّته، ولفظ [الرجوع] (¬1) الَّذِي استعمله الأَصْحَابُ يُشْعِرُ بالاسترداد منْها بعْد الدَّفْع إليها، لكن ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالإمَامُ: أَنَّهُ لا معْنَى للدَّفْع إلَيْها والاسْتِرْدَادِ مِنها، ويعُودُ مَعْنَى الرُّجُوع إلَى أنَّه لا يغرم لها، وهلْ يجبُ لها أَقَلُّ ما يَصْلُحُ صَدَاقاً؟ فيه وجهان، ويقال: (¬2) قَوْلانِ؛ كَيْلاَ يخلو الوطء عن المهر، وإن كان التغرير من الولِيِّ بأن خَطَبَ إلَيْه، فأجابه إلى التزويج، وهو مجبر أو غير مجبر، فاسْتأذَنَها، ولم يظهر للخاطب ما بها، فإن كَانَ عَالِماً بالعَيْب، رَجَعَ عَلَيْه بجميع ما غرم، وإن كَانَ جَاهِلاً، فَوَجْهَانِ، يُوجَّه أَحَدَهُمَا؛ بأنَّه غير مقصِّر.
والثاني: بأن ضَمَانَ [المال] (¬3) لا يختلف بالعلْم والجهل، فإنْ قلْنا: لا رجوع عليه، إِذَا جَهِل، فذلك إذا لم يكن مَحْرَماً: لَهَا؛ كابن الْعَمِّ، والمعْتِقِ، والقاضِي، فحينئذٍ، يكونُ الرجُوعُ على المرأة فأما إِذَا كَانَ مَحْرَماً، فلا يخْفَى الحالُ عبيه غالباً، وإن خَفِيَ، فهو لتقْصِيرِهِ [بترك] (¬4) البحْثِ، فيرجع عليه، وفيه وَجهٌ، أنَّه لا رجُوعَ على المحْرَم أيضاً عنْد الجَهْل.
وَذَكَرَ الحَنَّاطِيُّ: أنَّهُ لا رُجُوعَ على الحاكم بحالٍ عند الجَهْل، فإنْ قُلْنَا: لاَ رُجُوعَ عَلَيْه، إذا جَهَلَ، فعَلَى الزَّوْج إثباتُ العِلْم بأن يقيم الْبَيِّنَّةَ عَلَى إقْرَارِهِ بِالْعِلْم، وَإنْ غَرَّهُ جَمَاعَة مِنَ الأَوْليَاء؛ فَالرَّجُوعُ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ جهل بعضُهم، وَقُلْنَا: لا رَجُوع علَى
¬__________
(¬1) في ز: الدخول.
(¬2) قال النووي: الأصح عند من قال بالرجوع، أنه لا يبقى لها شيئاً، ويكفي في حرمة النكاح أنه وجب لها ثم استرد بالتغرير.
(¬3) في ز: الملك.
(¬4) في ز: بقول.

الصفحة 142