كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 8)

ولو حمل قوله "وكل أصل، وإن عَلاَ" عَلَى كُلِّ أَصْلٍ عَالٍ، خَرَجَ الأَبُ وَالأُمُّ، فَإنَّهُمَا أصلاَنِ سافِلاَنِ، وليسا بعالِيَيْنِ، وَحِيْنَئذٍ يتوافَقُ الَّلفْظَانُ في إفادَةِ الْغَرَضِ.
وَالعِبَارَةُ الثَّانِيَةُ عَنِ الأُسْتاذِ أَبِي مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِي أَنَّ نِسَاءَ الْقَرَابَاتِ مُحَرَّمَات إلاَّ مَنْ دَخَلَ في اسْمِ وَلَدِ الْعُمُومَةِ، وولد الخُئُولَةِ، ثُمَّ قف عَلَى فَوَائِدَ:
إحداها: ذكرنا في "الوقفْ" خِلاَفاً في دخول بَنَاتِ الأَوْلاَدِ في اسْم الْبَنَاتِ، وفي الْوَصِيَّةِ خِلاَفاً في دخُولِ جَمِيع الْجَدَّاتِ في اسْم الأُمَّهَاتِ فَإِن قلْنا بالدخول، فالذي ذكرنا الآن في تفسير البنات والأَمهات حقيقةُ اللفظَيْن وإن لم نَقُلْ بالدُّخُولِ، فهو تعريف المُرَادِ ثُمَّ يَقَعُ اللَّفْظُ عَلَى بَعْضِهِنَّ حقيقة، وعلى بعْضِهِنَّ مجازاً، وعلَى هذا جرى أَئِمَّتُنَا العراقيُّون، فقالوا: تحرم البنت بالحقيقة والمجاز، وكذا سائر المذكورات إلاَّ الأخت، فلا مجازَ فِيهَا، وإذا قلْنا بهذا، فيمكن أن يقال: المراد من الآية التفسيرُ المذكورُ، ويمكن أن يُقَالَ: المراد الحقيقةُ، وصوَرُ المجاز مقيسةٌ بها.
الثانية: إذا قُلْنَا بوقوع اسم الأب على الأجداد، احتجنا أن نقيِّد تفسير الأخت، فنقول: هي التي ولَدَهَا أبواك الأدْنيانِ أَو أبواك بلا وَاسِطَةٍ.
الثالثة: فَسَّرَ مُفَسِّرُونَ العمَّة والخالَةَ بما لا تشْمَلُ المحرَّمات من الصِّنْف، وهذا الإِمام يقول: كلُّ من ولَدَها أجدادُكَ وجدَّاتُكَ مِن قِبَلِ الأب، فهي عمَّةٌ، ومن ولَدَها أجَدادُكَ وجدَّاتُكَ من قِبَل الأم، فهي خالَةُ، فتخرج عن الأول عمة الأم، وهي أخت أبي الأم، وعن الثاني خالة الأب، وهي أخت أم الأب، وهما مُحَرَّمَتَانِ.
الرابعة: لك أن تُرَجِّحَ مِنَ الْعِبَارَتَينِ الثانية بإيجازها، وبأن الأولى لا تنصُّ على الإِناث، فإن لفظ الأصول والفُصُول يقع على المذكور والإِناث، وبأنَّ اللائق بالضابط أنْ يكَون أقْصَرَ المضبوط، ليَسْهل حفظه، والأمر في العبارةَ الأُولَى بخلافه، ثم في الفصل فَرْعَانِ:
الأَوَّلُ: إذا زنا بِامْرَأَةٍ، فولدَتْ بنتاً، فيجوزُ للِزَّانِي تَزَوُّجُهَا ويُكْرَهُ، أما الجواز، فلأنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ عنْه، بدليل أَنَّهُ لا يثبت سائر أحكَامِ النَّسَبِ، وَأَمَّا الْكَرَاهَةُ، فقد اختلف الأَصْحَابُ في سبَبِها، فمنهم مَنْ قال: سببها الخروجُ منَ الخلاف بيْنَ العلماء، ومنْهم مَنْ قال: السببُ احتمالُ كَوْنِهَا مخلوقةً من مائه، فعلى المَعْنَى الثَّانِي، لو تَيَقَّنَ أنها مَخْلُوقَةٌ من مائه، حُرِّمَ عليه أن ينْكحِهَا، وهذا اختيار جَمَاعَةٍ، منْهم الْقَاضِي الرُّويَانِيُّ، وعلى الأول؛ لا تَحْرُمُ مع التيقن، وهو الأَصَحُّ من المذهب، وعن ابن القاص وَجْهٌ مُطْلَقٌ أنه لا يَجُوزُ للزَّانِي نِكَاحُهَا، وهو قَوْلُ أبي حَنِيْفَةَ وَأَحْمَدَ، وَسَاعَدَنَا مَالِكٌ على الْجَوَازِ، وَلاَ شَكَّ أَنَّهَا لَوْ وَلَدَتِ ابْناً حُرَّمَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْكِحَها.

الصفحة 30