كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 8)

الشَّرْطُ السَّابِقُ عَلَى العقْدِ كَالمُقَارِنِ فِي الإِفْسَادِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: النوعُ الثالث: استيفاءُ عدد الطلاق، فإذا طَلَّقَ الْحُرُّ زوجته ثلاثاً في نِكَاحٍ وَاحِدٍ، أو أكثر دَفْعَةً وَاحِدَةً، أو أكثر قبل الدخول، أو بعده لم يحل له نكاحها، حتى تَنْكِحَ زوجاً غيره، ويدخل بها، ويفارقها وتنقضي عِدَّتُهَا (¬1) منه، قَالَ اللهُ تَعَالَى جَدُّهُ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] والمُرَادُ الطّلقة الثالثة.
وقالت عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- "جَاءَت امْرَأَةُ رِفَاعَةَ القُرَّظِيَّ إِلَى رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ إِنِّي كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ القُرظِيَّ، فَطَلَّقَنِي، فَبَتَّ طَلاَقِي، فَتَزَوَّجْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرحْمَنِ بْنَ الزُّبَيرَ -رَضِي الله عنهما- وإنما مَعَهُ مِثْلُ هَدْبَةِ الثَوْبِ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وَقَالَ: "تُرِيْدِينَ أنْ ترْجِعِي إلى رِفَاَعةَ، لاَ، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيذُوقَ عُسَيْلَتَكِ" (¬2).
والعبدُ، إذا طلَّق زوجته طلقتين، كالحرِّ، إذا طلق ثلاثاً؛ لأنه استوفَى ما يملكه من الطَّلاَقِ، ولو عرضت الحريةُ بعد ذلك، لم تؤثر، هذه قاعدةٌ.
الفصل: وَفِيهِ مَسَائِلُ مذكورةٌ في الكتاب وغير مذكورة.
المسألة الأولى: يشترط أن تكون الإِصابةُ في نِكَاحٍ صَحِيحٍ، فَالوطْءُ بملك اليمين لا يحلل، وفي الوطء بالنكاح الفاسد قولان.
أصحُّهما: وبه قَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ وَمَالِكٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- وهو المذكور في الكتاب: أنه لا يحلِّل أيضاً؛ لأن إطلاق اسم النكاح ينصرف إلى الصَّحيحِ.
والثّاني: ويُحْكَى عن القديم: أنه يحلل؛ لأنه حُكْمٌ من أحكام الوطء يتعلَّق بالوطء في النكاح الصحيح، فيتعلَّق الوطء في النِّكاح الفاسد؛ كَالْمَهْرِ والعدة، وقرب
¬__________
(¬1) قال الشيخ البلقيني: الذمي إذا نكح امرأة ثم طلقها طلقة واحدة ثم نقض واسترق فأراد أن ينكحها بإذن سيده ملك تطليقها طلقة واحدة ولو كان طلقها طلقتين ثم التحق بدار الحرب واسترق وأراد أن ينكحها. قال ابن الحداد: له ذلك ويملك عليها طلقة واحدة، ومن الأصحاب من منعه من ذلك.
قال الإِمام في النهاية بعد أن حكى ذلك كله في فرع من الفروع التي في أواخر الطلاق والصحيح الأول. قال: وما يليق بهذه المسألة أن العبد إذا طلق امرأته طلقة واحدة ثم عتق فيملك عليها طلقتين في الحرية، ولو طلق طلقتين ثم عتق فالذي ذكره الأصحاب جميعهم أنه لا يحل له حتى تنكح زوجاً غيره. قال الشيخ: رأيت لبعض أصحابنا وجهاً غريباً أن له ذلك. انتهى كلام الإِمام.
(¬2) أخرجه البخاري [2639 - 5260 - 5261 - 5265 - 5317 - 5792 - 5825 - 6084، مسلم (1433)] ومسلم، وفي رواية للبخارى قالت عائشة: فصار ذلك سنة بعده، ولأحمد من حديث عائشة مرفوعاً: العسيلة هي الجماع: وبهذا قال أكثر أهل العلم، وعن الحسن البصري هي الإِنزال.

الصفحة 50