كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 8)

ظلمة أو حِجَاب وكانت زوْجَتَهُ، يقعَ الطلاق على النَّقْل المشهور، وللإِمام وصاحب الكتاب -رحمهما الله- فيه احتمالٌ, لأنَّه إذا لم يَعْرف الزوجة، لا يكون قاصداً لقطعها، فإذا لم يقْصِد الطلاق، وجب إلاَّ يَقَعَ، قال في "البسيط" وكان بعض المذكورين بالوعظ في زمانِنا يلتمسُ من أهْل المجْلِس مكرُمَةً مالية، فلم تنجع طَلِبَتُه، وطال انتظاره فقال: متضجراً قد طلَّقْتُكم ثلاثاً، وكانت زوجته منهم، وهو لا يدري، فأفتى الإِمام -رحمه الله- بوقوع الطلاق، قال: وفي القلْب منْه شيْءٌ، ولك أن تقول: ينبغي ألاَّ يقع الطلاق، فيما إذا خاطب زوجَتَه بالطلاق، وهو لا يَدْرِي أنَّها زوجته؛ لأن قوله: طلَّقْتكم جميعاً لفظ عام، واللفظ العام يَقْبَل الاستثناء باللفظ والنية؛ ألاَ تَرَى أنَّه لو حَلَف ألا يُسلِّم على زَيْد (¬1)، فسلَّم على قوْم منهم زيد واستثناه بقَلْبِه أو بلفظه، لم يَحْنَث على ما سيأتي في الأيمان إن قدَّر الله -تعالى جَدُّه.
¬__________
(¬1) فسلم على قوم هو فيهم واستثناه بقلبه، لم يحنث. وإذا لم يعلم أن زوجته في القوم كان مقصوده غيرها، قال من زيادته: هو الذي قاله إمام الحرمين والرافعي كلاهما عجيب منهما، أما العجب من الرافعي فلأن هذه المسألة ليست كمسألة السلام على زيد لأنه هناك علم به واسثناه وهنا لم يعلم بها ولم يستثنها واللفظ يقتضي الجميع إلا ما أخرجه ولم يخرجها.
أما العجب من الإِمام فلأنه يقدم في أول الركن أنه يشترط قصد لفظ الطلاق لمعنى الطلاق، ولا يكفي قصد لفظه من غير قصد معناه، ومعلوم أن هذا الواعظ لم يقصد معنى الطلاق وأيضاً فقد علم أن مذهب أصحابنا أو جمهورهم أن النساء لا يدخلن في خطاب الرجال إلا بدليل، وقوله طلقتكم: خطاب رجال لا تدخل امرأته فيه بغير دليل فينبغي أن لا تطلق لما ذكرته لا لما ذكره الرافعي، هذا ما تقتضيه الأدلة.
قال الشيخ البلقيني: عجيب من النووي أيضاً في هذا التخريج فلا خلاف في أن النساء لا يدخلن في خطاب الرجال محله إذا لم يكن هناك ما يقتضي بوجه الخطاب المجموع الحاضر، فأما إن كان هناك ما يقتضي توجه الخطاب للحاضرين توجه للكل وإن كان فيهم الإِناث ولم يصر أحد من المفسرين إلى إخراج حواء من خطاب اهبطوا، وقال الآمدي في الأحكام مقرر المذهب التناول، ولذلك لا يحسن أن يقول لجماعة فيهم رجال ونساء قوموا وقمن، بل لو قال قوموا، كان ذلك كافياً للأمر للنساء بالقيام، ولولا دخولهن في جمع المذكر لما كان كذلك، وحين ذكر جواب الخصوم، لم يجب عن هذا فكان مثل هذه الأمرر متفقاً على الدخول فيها ولا ريب أن من قال لجماعة فيهم نساء هؤلاء قالوا كذا أن الكلام متناول للكل، وإن قلنا إن خطاب المذكر لا يتناول المؤنث حقيقة، ولكن قرينة الحضور الإِشارة بها, ولا اقتضت التوجه للكل وهذا في كاف الخطاب أظهر من قاموا وفعلوا، وحينئذٍ فلا يصح هذا التخريج، ولا شك أن من قال أمرت الحاضرين بكذا أن الأمر يتوجه لمن حضر، وإن كان فيهم الإِناث، ومعنى طلقتكم طلقت الحاضرين أو من حضرتم، ذكر بعد ذلك تحريرين آخرين وحاصلهما عدم وقوع الطلاق لما قرره لا لما قرره النووى وأخذ الزركشي كلام شيخه البلقيني وقدم شيئاً وأخر شيئاً والكل كلام الشيخ ولا يخلو من تحامل.

الصفحة 554