كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 8)

لم يجز له نِكَاحُ الأَمَةِ، كما لو كان تحته مسلمة، وذكر المؤمنات في الآية الأخرى جرياً على الأغلب، فإنَّ الغالب أنَّ المسلم، إنما يرغب في المؤمنات، وأيْضاً، فالغالب أنَّ من لا يَقْدِرُ عَلَى طَوْلِ المؤمنة لا يَقْدِرُ عَلَى طول الْكِتَابيَّةِ؛ لأن الكتابيَّة لا ترضَى بالمسلم إلاَّ بِمَهْرٍ كَبِيرٍ، وعن أبِي الطَّيِّبِ الساوي أن أَبا إسْحَاقَ قَطع آخراً بالوَجْه الثاني.
المسألة الثالثة: لو لم تَرْضَ الحُرَّةُ التي يَجِدُها إلا بأكثر من مَهْر مثلها، وهو واحدٍ لما يغَالى به، فالمنقول في "التَّهْذِيب" أنه لا ينكح الأمة وفي "التَّتِمَّةِ" أنه ينكحها، كما لو بيع الماء بأكثر من ثمنِ المِثْلِ، لهَ العدول إلى التّيمم.
وَتَوَسَّطَ الإمَامُ وصاحب "الْكِتَاب" فقالوا: إن كانت المغالاةُ بقدر كبيرٍ يُعَد بَذْلُهُ إسْرَافاً، فله نِكَاحُ الأمَةِ، وإلا، فَلاَ، وفَرَقُوا بين مسألة التَّيَمُّمِ، وبين ما نَحْنُ فيه من وجهين:
أحدهما: أنّ الحاجة إلى الماء تتكرَّر.
والثاني: أن النكاح تتعلَّق به أعراضٌ كليةٌ لا يعدُّ باذلُ المالِ في مثلها مَغْبُوناً (¬1)، ولو بِيعَتِ الرقبةُ بثمنَ عالٍ، والمكفِّر واجد له، فَهَلْ يعْدِلُ إِلَى الصَّومِ؟.
اختلف فيه كَلاَمُ صَاحِبِ "التَّهْذِيب" قال: هاهنا لا يعدل، وَقَالَ في الكفارات يعدل، وذكر ما أورده هاهنا ذكر من ينقل وجهاً بعيداً، أو تخريجاً غريباً.
المسألة الرابعة: إذا لم يَجِدِ المهر، لكن هناك حرةٌ ترضى بمهر مؤجَّلٍ، وهو يتوقَّع القدرة عليه عند الحُلُول، ففيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز له نكاحُ الأَمَةِ، لتمكنه من نكاح حُرَّةٍ.
أظْهَرُهُمَا: الجواز، وهو المذكور في "الْكِتَاب" وفي "الشَّامِلِ"؛ لأن ذمَّته تصيرُ مشغولةً في الحال، وقد لا يصدق رجاؤُهُ عند توجُّه الطلب عليه، ويجري الوجْهَان فيما لو بِيعَ منه نسيئه ما يفي بصداقها، أو وجد من يستأجره بأجْرَةٍ معجَّلةٍ وأجراهما مُجْرُونَ فيما إِذَا أقرض مهر حرة، والأَوْلَى ما نقله صاحب "التَّتِمَّةِ" وهو القَطْع بأنه لا يجب القبول؛ لأن القرض لا يلحقه الأجل، وربما يطالب في الحال، ولو رضيت حُرَّةٌ بأن ينكحها بلا مهر، لم (¬2) يمتنع به نكاح الأَمَةِ؛ لأنها تطالبه بالفرض.
وفي شرح الشيخ أَبِي عَلِيٍّ وَجْهٌ آخَرُ أنه يمتنع، ولو رَضِيَتْ بدون مهر المثل،
¬__________
(¬1) قال النووي في زوائد: قطع آخرون بموافقة المتولي، وهو الأصح والله أعلم هذا، وما صححه هنا خالفه في تصحيح الوسيط وجرى على مقالة الإمام والغزالي.
(¬2) لأن ذمته مشغولة في الحال وقد لا يصدق رجاؤه عند قومه الطلب عليه والثاني لا للقدرة على نكاح حرة.

الصفحة 58