كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 8)

وهو يجده فوجهان: أصحهما: وبه قطع بعْضُهِم: أنه لا يجوز له نكاح الأَمَةِ لقدرته على نكاح الحرة، وهذا كما أنَّه لا يتيَّمم، إذا وَجَدَ الماء بثمن بَخْسٍ.
والثاني: يجوز؛ لِمَا فيه من المنَّةِ، وَمَنْ قَالَ بالأوَّل، قَالَ: الْمهْرُ مما يُتسامَحُ فيه، ولا يتعلَّق به كَبيرُ مِنَّةٍ، ولو وُهِبَ له مالُ أو جاريةٌ. لم يلزمه القبول (¬1)، وجاز له نكاحْ الأمة، ولْيُعْلَمَ من لفظ "الكتاب" قوله "فَقْدُ طَوْلِ الحُرّةِ" بالحاء، وكذا قوله: "وخوفِ العنت" لما سنذكره، وقوله: "لم ينكح الأمة بالواو، وكذا قوله: نكح الأمة بالواو وقوله: وللمفلس نكلاح الأمة، وقوله: على الأصح لقطع بعضهم بأنه لا ينكحها".
فَرْعٌ: ذَكَرَ القاضي ابنُ كَجٍّ وجهَيْن في أنه، هَلْ يَجُوزَ لَهُ نِكَاحُ الإِماء مع ملْكِ المسكن والخادم أم عليه بَيْعُها وصرْفُها إَلى طَوْلِ الحُرَّةِ (¬2)؟.
والمال الغائبُ لا يمنع من نكاح الأَمَةِ، كما لا يمنع ابن السبيل من أخذ الزكاة، والمُعْسِر الذي له ابنٌ مُوسِرٌ يجوز له نِكَاحُ الأَمَةِ، إِن لم نوجتْ على الابنِ الإِعفاف، وإن أوجبناه، فوجهان؛ لأنه مستغن بِمَالِ الابن (¬3).
قَالَ الغَزَالِيُّ: وَأمَّا خَوْفُ الْعَنَتِ فَإنَّمَا يَتِمُّ لِغَلَبَةِ الشَّهْوَةِ وَضَعْفِ التَّقْوَى، فَإنْ قَوَيَتِ التَّقْوَى وَأَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ ينْكِحْ، وَالقَادِرُ عَلَى سِريَّةٍ لاَ يَخَافُ العَنَتَ فَلاَ يَتَرَخَّصُ عَلَى وَجْهٍ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: الشرطُ الثالث خوف الْعَنَتِ (¬4)، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ
¬__________
(¬1) فإن قيل صحح النووي في التّيمم في المنهاج وجوب شراء الماء بمؤجل بأجل يمتد إلى وصوله بكذا ماله ورضاها بالمؤجل أولى من رضا رب الماء بتأجيل تحته لأن الزوجة تمهر غالباً الحال بخلاف رب الدين.
أجيب بأن في الزوجة كلفة أخرى وهي النفقة والكسوة فإنهما يجبان بمجرد عرضها عليه والفرض أن معسر في الحال بخلاف الماء.
(¬2) قال النووي: أصحهما الأول والله أعلم.
(¬3) قال النووي: أصحهما المنع وبه قطع جماعة والله أعلم.
(¬4) وأصل العنت المشقة، سمي به الزنا لأنه سببها بالحد في الدنيا والعقوبة في الآخرة. والأصل في ذلك قول الله عز وجل: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} إلى قوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ}.
والطول السعة، والمراد بالمحصنات الحرائر.
قال الروياني: وبالعنت عمومه لا خصوصه حتى لو خاف العنت من أمة بعينها لقوة ميله إليها وحبه لها فليس له أن يتزوجها إذا كان واجداً للطول؛ لأند العشق لا معنى لاعتباره هنا؛ لأن هذا تهييج من البطالة وإطالة الفكر.

الصفحة 59