كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 8)

الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: 25] والعنت؛ المشقَّة الشديدة، ويقال: إنَّه الهلاك، والمراد هاهنا الزنا سمي به؛ لأنه سبب المشقَّة والهلاك بالحد في الدنيا، والهلاك في الآخرة بالعقوبة.
وَقَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لا يشترط خوف الْعَنَتِ، وفي الفصل مسألتان:
الأولى: في أنَّ هذا الشرطَ بم يتحقَّق.
قال الإِمام: ليس الذي يَخَاف الزنَا، هو الذي يغلب على ظنه الوقوعُ فيه، بل المرادُ الَّذِي يتوقَّعه لا عَلى سبيل الندور وليس غَيْرُ الخائف هو الذي، يعْلَم الاجتناب عنه، لكن غلبة الظن بالتقْوَى والاجتنابِ ينافي الخوْفَ، فمن غلبت شهوته [ورق تقواه، فهو خائف، ومن ضعفت شهوته، وهو] (¬1) يستبدع الوقوع في الزنا لدين، أَو مروءةٍ أَو حياء، فهو غير خائف، وإن غلبت شهوته، وقوى تقواه، ففيه احتمالان للإِمام أظهرهما وهو المذكور في "الكتاب" أنه لا يجوز له نكاح الأَمَةِ؛ لأنه لا يخاف الزنَا، فلا يجوز له أن يَرِقَّ ولده لقضاءِ وطَرِ أَو كَسْرِ شهوة.
والثاني: إِنْ كان تَرْكُ الْوُقاع يجرُّ ضَرَراً أَوْ مَرَضاً يَجُوزُ لَهِ نِكَاحُ الأَمة، والْمَجْبُوبُ لا يتصورُّ الوطء منه مُبَاحاً، ولا حراماً، ففي "النِّهَايَة" و"التتمة" أنه لا ينكح الأمة، وذكر صاحب "التَّتِمَّةِ" تفريعاً عليه أنه، لو نكح حُرٌّ أمَةً، فوجدتْهُ مجبوباً، وأرادت الفسخ، فقال الزوج: جُبَّ ذكرى بعد النكاح، فإن لم يكن ما يقولُهُ محتملاً، بأن كان الموضع مُنْدَملاً، وقد عقد النكاح أمس، فالنكاح فاسدٌ، وإن كان محتملاً، فإن صدقته فذاك، وإنْ كذبته، بطل دعواه؛ لأن قضيَّة قولها فسادُ النكاح من أصله، وقال الْقَاضِي الرُّوَيانِيُّ في "البحر" [أن] للخصيَّ والمجبوب نِكَاحَ الأَمَةِ عند خوف الوقوع في الفعل المأثوم به؛ لأن العنت هو المشقَّةُ (¬2).
الثانية: في القادر عَلَى شراء أَمةٍ يتسرّى بها وجهان:
أحدهما: أنَّ له نكاحَ الأمَة؛ لأنه لا يستطيعُ طَوْلَ الْحُرَّةِ؛ وهذا هو المذكور في "التَّتمَّةِ" "وَالتَّهْذِيبِ" ويحكى القَطْعُ به عن القاضي الحسين.
ولو كانت في ملكه أمةٌ لَمْ ينكح الأمة، وفي كتاب الحَنَّاطِيَّ الخلافُ فيه، وإذا قلْنا بالصحيح، فلو كانت الأمة التي يملكها غَيْرَ محلَّلة له، نُظِرَ، إن وفت قيمتها بمهر حرة أو ثمن أمة يتسراها، لم ينكح الأمة، وإلاَّ، نكحها، واللهُ أعْلَمُ.
¬__________
(¬1) سقط في ز.
(¬2) قال ابن عبد السلام: وينبغي جوازه للممسوح مطلقاً لانتفاء محذور رق الولد.

الصفحة 60