كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 8)

قَالَ الغَزَالِيُّ: فَإذَا تَرَخَّصَ فَلاَ ينْكحُ إلاَّ مُسْلِمَةً، أمَّا الكِتَابِيَّة فَلاَ تَحِلُّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَنْكحَ أَمَةً مُسْلِمَةً لِكَافِرٍ عَلَى الأَصَحِّ، وَالحُرُّ الكتَابِيُّ ينْكِحُ الأَمَةَ الكتَابِيَّةَ، وَالعَبْدُ المُسْلِمُ لاَ يَنْكِحُهَا، فَقِيلَ في الْمَسْأَلَتَينِ قَوْلاَنِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: لفظ الترخيص يشير إلى أَن نكاح الأمةِ، إنما يجوز عند الضَّرُورَةِ، أو شدَّةِ الحاجة، علَى ما هو سبيلُ الرُّخَص، وأراد بقوله: فإذا ترخص الحرَّ المسلم، وقد سبق ذكره عند قوله: "ولا ينكح الحرُّ المسلمُ مملوكةَ الغَيْرِ إلا بأَرْبَع شَرَائِطَ"، والشرط الرَّابعُ أن تكون الأَمَةُ المنكوحةُ مسلمةً، أما الكتابيةُ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ نِكَاَحُهَا خِلاَفاً لأَبي حَنِيْفَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
واحتج الأصْحَابُ بأن اللهَ تعالَى شرط في نكاح الأَمَةِ الإِسلامَ، حيثُ قَالَ: {فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] وفي نكاح الكتابية الحُرّيَّةُ حيث قال: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] فدلَّ على أَنه لا ينكح الأمة الكتابية، وبأنه اجتمع فيه نقصان [لكل واحدة منهما أثر في المنع من النكاح] (¬1) ولا يجوز للحر المسلمِ نكاحُها كالحرَّة المجوسية والوثنية، والزيادةُ والنقصانُ في الفَرْع الكُفْرُ والرِّقُّ، وفي الأصل الكُفْرُ، وأنه لا كتاب لها، وهل يجوز [له] أن ينكح أَمَةً مُسْلِمَةً لِكَافِرٍ؟.
فيه وجهان منقولان في "النَّهَايَةِ":
أصحهما: الجوازُ، لحُصُولُ الإِسَلام في المنكوحة.
والثاني: المنع؛ لما فيه من إرقاقِ الولَدِ المسْلِمِ للكافر، وفي نِكَاحِ الْحُرَّ الْكِتَابِيَّ الأَمَةَ الكِتَابيَّةَ وَجْهَانِ، ويقال: قولان:
أحدهما: المنع، كما يمنع الحرُّ المسلمُ من نكاحها.
وأصحهما: الجوازُ، كما أن الحرَّ المسلمَ ينكح الأمة المسلمة، وظاهر المذهب، وهو نصّه في "الْمُخْتَصَرِ" أن العبد المسلم لا ينكحها؛ لأن المنع من نكاحها الكفر، فيستوي فيه الحرُّ والعبدُ، كالمرتدة والمجوسية، وفيه قَولٌ آخَّرُ، أنَّ له نكاحُهَا؛ لأنه لا تفاوُتَ بينهما في الرِّقِّ والحُرِّيَّة، وإنما يتفاوتان في الدِّين، وأنَّه لا يمنع النكاح؛ ألا ترَى أن الحرَّ المسلِمَ ينكح الحرَّةَ الكتابية، وينسب هذا القول إلى رواية صاحب "الإِفْصَاح" عن القول القديم، ورواية ابن أبي هريرة، والأستاذ أبي طَاهِرٍ الروياني، وهو في الجديدِ أشهرُ، ورأَيت الاِمام نقل الخلافَ في الصورتَيْن في حكاية أسندها إلى أبي الحسن
¬__________
(¬1) سقط في ز.

الصفحة 61