كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 8)

وَحُكِيَ عَنْ بعض الأصحاب أنَّ من تُبعَض فيه الحُرِّيَّة والرق كالرقيق، حَتَّى يَنْكِحَ الأَمَةَ مع القُدْرة عَلى نِكَاحِ الْحُرَّةِ؛ لأن ما فيه من الرِّقَّ أخْرَجَه عن الولاية والنَّظر للولد.
آخر ولد الأمة المنكوحةِ رقيقٌ لمالكها سواءٌ كان الْحُرُّ الذي نكَحَها عربياً، أو غيرَ عربيّ، وفي "القديم" قولٌ أن الرِّقَّ لا يجْرِي على العَرَب، فإنْ كان الناكح عَرَبِيَّاً، يكون الولَدُ حُرّاً، وهل على الناكِحِ قيمته، كما في صورة الغُرورِ، أم لا شيء عَلَيْهِ؛ لأنَّ السَّيِّدَ رَضِيَ بِهِ، حيث زوَّجها من العربيِّ؟ فيه قولان، والله أعلم.
قَالَ الغَزَالِيُّ: وَلَوْ نَكَحَ أَمَةً ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الحُرَّةِ وَنكَحَهَا لَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُ الأَمَةِ بَلْ لاَ يُرْعَى الشَّرْطَ إِلاَّ في الابْتِدَاءِ، وَلَوْ جَمَعَ القَادِرُ حُرَّةً وَأَمَةً في عَقْدٍ، بَطَلَ نِكَاحُ الأَمَةِ، وَفِي الحُرَّةِ قَوْلا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: فيه مسألتان:
الأول: إذا نَكَحَ الحُرُّ أمَةً [بشروطه] ثم أَيْسَرَ لا ينفسخ نكاحُ الأمة؛ لأن قضية الآية اشتراطُ الإِعْسَار في الابتداء، ولا يلزمُ من كونه شرطاً في الابتداء، أن يكون شرطاً في الدوام لقوَّة الدوام، وهذا كما أنَّ خوْفَ العنَتِ يُشترطُ في الابتداء دون الدَّوَام، وكما أن العِدَّةَ والرِّدَّةَ والإِحرام يمنع ابتداءَ النِّكَاح دون دوامه، وكما أنَّ الإِسلام يمنع ابتداء السبْي دون دوامه، وكذلك لو نكح حُرَّةً بعْدَ ما نكح الأمة، لا ينفسخ نكاح الأَمَة.
وَقَالَ المُزَنِيُّ: ينفسخُ النكاح في الصورتَيْن، وعن أَحْمَدَ في الصورة الثانية مِثْلُهُ.
الثانية: لو جمع الحرُّ بين حرة وأمة في عقد واحدٍ، نُظِرَ؛ إن كان مِمَّنْ لا يحل له نكاحُ الإِماء، فنكاح الأمة باطلٌ، وفي نكاحِ الحُرَّةِ قولان مذكوران في الجديد:
أصحهما: وهو المنصوص في "القديم": أنه يصحُّ، وبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ، والْمُزَنِيُّ، واختاره ابنُ الْحَدَّادِ، والقولانِ مرتَّبانِ على القولَيْن، فيما إذا بِاع عبده، وعبْدَ غيره صفقةً واحدةً، ومبنيَّان على أنه، إنْ بَطَلَ في بيع عبده (¬1) بَطَلَ؛ لأن العقْدَ الواحد لا يتبعض، أو لجهالة العوض، وكل ذلكَ قد بيَّنَّاه في "باب تفريق الصَّفْقَة".
وإن كان ممن يحِلُّ له نكاحُ الإِماء بأن وَجَدَ حُرَّةً [تَسْمَحُ] (¬2) بِمَهْرٍ مُؤَجَّلٍ، أو بما دُونَ مَهْر المثل، أو بدون الْمَهْرِ، أو وَجَدَ طَوْلَ حُرَّةِ كِتَابيَّةٍ، وقلْنا: إنَّ هذه المعانِيَ لا تمنع صحَّةَ نكاح الأَمَة، فمثل هذا الشخْصِ، إذا نكحَ حُرَّةَ وَأَمَةً في عقْدٍ، لم يصحَّ نكاح الأمة أيضاً؛ لأنه لو صحَّ، لصحَّ نكاحُ الحرَّة، والأمةُ لا تُقارَنُ بالحرَّة، كما لا تدخل عليها، وفي نكاحِ الحرَّة طريقان:
¬__________
(¬1) في ب: عبد غيره.
(¬2) في ز: تسمع.

الصفحة 63