كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 8)

الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] ولا فرق في الجواز بين أن تكون الكتابية حربية، أو ذمية، أو مستأمنة، لكن يكره نكاح الحربية (¬1)؛ لأن الإِقامة فيما بين أهل الحرب
¬__________
= الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} -وحتى على القول بالعموم تكون آية المائدة مخصصة لآية البقرة أو ناسخَة والعكَس ممتنع. ثم لا يعكر ذلك على الدليل لانه لما لم يكن سبيل إلى التوفيق بين تلك الآيتين إلا بذلك وجب المصير إليه.
واستدل المجوزون ثانياً بالسّنة: وهي ما رواه جابر بن عبد الله عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ "تَزوَّجُوا نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ يَتَزوَّجُونَ نِسَاءَنَا" أخرجه أبو داود في سننه وعن عبد الرزاق، وابن جرير عن عمر بن الخطاب قال: "الْمُسْلِمُ يَتَزَوَّجُ النَّصْرَانيَّةً وَلاَ يَتَزَوَّجُ النَّصْرَانِي الْمُسْلِمَةُ".
دل ما تقدم على حل الكتابية للمسلم وَأيَّدَهُ فعل بعض الصحابة فقد تزوجوا بكتابيات ولم ينكر بعضهم على بعض -روى الخلال بسنده أن حذيفة بن اليمان وطلحة بن الجارود بن المعلى، وأذينة العبدي تَزَوَّجُوا النِسَاءَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ كما روي عن عمر وعثمان وغيرهما من الصحابة القول، بإباحتهن.
ونوقش:
بأن الرواية عن عمر مضطربة ففي بعضها القول بالحل وفي أخرى تفريقه بين من تزوج بكتابيات وبين أزواجهن. ومع هذا الاضطراب لا يأخذ بقوله. ويمكن تأويل الحديث الأول: بأن ذلك كان في زمن قلة النساء المؤمنات في ابتداء الإِسلام. وأجيب.
بأن الرواية الصحيحة عن عمر هي الناطقة بحل تزوج المسلم للنصرانية وهي نص فلا يعارضها غيرها. والدليل على ذلك أن بعضاً من الصحابة قدموا على التزوج بكتابيات منهم طلحة وكعب ابن مالك وعثمان بن عفان. وكذا خطب المغيرة بن شعبة هندا بنت النعمان بن المنذر وكانت تنصرت. وثبت عن الصحابة طلاقهم للكتابيات وهو دليل على حل نكاحهن. والقول: بأن ما ورد عن الصحابة محمول على زمن قلة النساء المؤمنات لا يستند إلى دليل وإنما يعتمد عليه لو لم يكن كتاب أو سنّة واردين بالحل. وغاية ما يفيد هذا العمل هو كراهية الكتابيات لا حرمتهن على المسلمين وقد قال بالحل مع الكراهة. وبأنه خلاف الأولى المالكية والحنفية وعللوا الكراهة بأن الكتابية تشرب الخمر وتكل الخنزير فلا تؤمن على تربية أولادها.
وبالنظر في أدلة الفريقين وما ورد عليها يترجح مذهب الجمهور القائل بحل تزوج الكتابية الحرة للمسلم. وتكون تسمية اليهود والنصارى مشركين من باب إرادة الشرك الاصطلاحي لا الشرك اللغوي المعروف. لانه لا يبعد أن لا يكون هذا اسماً إسلامياً أريد به غير حقيقته اللغوية ونظر ذلك لفظ مؤمن في الأصل اللغوي مِنْ آمن إذا صَدَقَ بَأيّ شَيْءٍ. فصار اسماً إسلامياً لا يطلق إلا على من آمن بمحمد. وأمثلة لفظ المنافق. وثسمية ما أسكر كثيره خمراً. أو يقال إنه سبحانه وتعالى راعى في مقام التوبيخ والتسفيه لأهل الكتاب ناحية الشرك الطارئة فوصفهم بها وأما في مقام الأحكام وما يربط المسلمين بهم فقد راعى فيهم الناحية الاصلية وهي كونهم أهل كتاب. وما معنا من الثاني فتكون اليهابيات حلال للمسلمين.
(¬1) اختلفت المذاهب في هذه المسألة فذهب ابن عباس إلى القول بعدم حل نساء أهل الكتاب إذا كانوا حرباً للمسلمين. =

الصفحة 69