كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 8)

والصِّنْفُ الثاني: الذين لا كتابَ لهم، ولا شبهةَ كتاب؛ لَعَبَدَةِ الأوْثَانِ والشمس والنجوم والصور التي يستحسَنونها ومعطلة والزنادقة، والباطنية، لَعَنَهُمُ اللهُ، فلا تحلُّ مناكحتهم لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة:221] قَالَ صَاحِبُ "الكتاب" في "الإِحْيَاءِ": ومن هذا الصِّنْفِ المعتقدون لمَذْهَبِ الإِباحة، وكلِّ مذهبٍ يَكْفُرُ معتَقِدُه.
والصِّنْفُ الثالث: الَّذينَ لا كتابَ لهم، ولكنْ لهم شبهةُ كتاب، وهم المجوس، وَهَلْ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ؟ فِيهِ قَوْلاَنِ:
أحدهما: لا؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "سُنُّوا بِهِمْ سُنَّة أَهْلِ الْكِتَابِ" (¬1) وَهَذَا يشعر بأنَّهم ليسوا بأهل كتاب.
وأشبههما: نَعَمُ، لِمَا رُوِيَ عن عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنَّه كان لهم كتاب، فبدلوه، فأصْبَحوا، وقد أُسْرِيَ به (¬2)، وعلى كلا القولين لا تَحِلُّ مناكحتهم، أما علَى
¬__________
(¬1) أخرجه مالك [1/ 207] في الموطإ والشافعي [1184] عنه عن جعفر عن أبيه، عن عمر أنه قال: ما أدري ما أصنع في أمرهم؟ فقال له عبد الرحمن بن عوف: أشهد لسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: سنوا بهم سنّة أهل الكتاب، قال مالك: يعني في الجزية، وكذا رواه يحيى القطّان عن جعفر أخرجه أبو عبيد في كتاب الأموال، وهو منقطع لأن محمد بن علي لم يلق عمر ولا عبد الرحمن، وقد رواه أبو علي الحنفي عن مالك عن جعفر عن أبيه عن جده، قال الخطيب في الرواة عن مالك: تفرد بقوله عن جده أبو علي، قلت: وسبقه إلى ذلك الدارقطني في غرائب مالك وهو مع ذلك منقطع، لأن علي بن الحسين لم يلق عمر ولا عبد الرحمن، إلا أن يكون الضمير في جده يعود على محمد، فجده حسين سمع منهما، لكن في سماع محمد من حسين نظر كبير، ورواه ابن أبي عاصم في كتاب النكاح بسند حسن قال نا إبراهيم بن الحجاج نا أبو رجاء جار لحماد بن سلمة نا الأعمش عن زيد بن وهب قال: كنت عند عمر بن الخطاب فذكر من عنده المجوس، فوثب عبد الرحمن بن عوف فقال: أشهد بالله على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لسمعته يقول: إنما المجوس طائفة من أهل الكتاب، فاحملوهم على ما تحملون عليه أهل الكتاب قاله الحافظ.
(¬2) أخرجه الشَّافعي عن سفيان عن سعيد بن المرزبان عن نصر بن عاصم، قال: قال فروة بن نوفل: على ما تؤخذ الجزية من المجوس، وليسوا بأهل كتاب، فذكر القصة في إنكار المستورد عليه ذلك، وفيها فقال علي: أنا أعلم الناس بالمجوس، كان لهم علم يعلمونه، وكتاب يدرسونه، كان ملكهم سكر فوقع على ابنته أو أخته، فاطلع عليه بعض أهل مملكته، فلما أصبح جاؤوا ليقيموا عليه الحد، فامتنع منهم، فدعا أهل مملكته فقال: تعلمون ديناً خيراً من دين آدم، قد كان آدم ينكح بنيه من بناته، فأنا على دين آدم وما نرغب بكم عن دينه، فبايعوه على ذلك وقالوا من خالفهم، فأصبحوا وقد أسرى على كتابهم، فرفع من بين أظهرهم، وذهب العلم الذي في صدورهم، وهم أهل كتاب، وقد أخذ رسول الله منهم الجزية، قال ابن خزيمة وهم فيه ابن عيينة فقال نصر بن عاصم. وإنما هو عيسى بن عاصم، قال: وكنت أظن أن الخطأ من الشَّافعي، إلى أن وجدت غيره تابعه عليه، وقد رواه محمَّد بن فضل والفضل بن موسى، عن سعيد بن المرزبان =

الصفحة 72