كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 8)

بالتحريف، ومنْهُم: من قطع بالمنع، والظاهرُ المنع، ثبت الخلاف، أو لم يثبت، وهل يُقَرُّ هؤلاء بالجزية قَالَ في "التَّهْذِيبِ" لا، وقال غيره: نعم، كالمجوس، وهو أوْلَى للشبهة.
الحالة الثالثة: إذا كانَتْ من قومٍ يُعْلَمُ دخولُهم في ذلك الدِّين بعد التحريف والنسخ، فلا يُنْكَح؛ لسقوطِ فضيلته وحرمته بالنسخ، فالَّذينَ تهوَّدوا أو تنصَّروا بعد بعثة نَبيِّنا محمَّد -صلَّى الله عليه وسلَّم- لا يناكَحُون، وفي المتهوِّدين بعد بعثة عيسَى -عليه السلام- وجهان:
أصحهما: أن الحكم كذلك، ومن قال بالثاني، فإنه يزعم أنا لا نعْلَمُ كيفية نَسْخ شريعةِ عيسَى -عليه السلام- شريعةَ مُوسَى -عليه السلام- وأنها نُسِخَتْ كلّها أو بعْضُها؟ وهؤلاءِ كما لا يناكحون لا يُقَرُّون بالجزية.
الحالة الرابعة: إذا كانتْ من قوم لا يُعْلَمُ أنهم دخَلُوا في ذلك الدِّينِ بعد التحريف أو قبله، أو قبل النسخ أو بعده، فيُؤْخَذ في نكاحهم بالأغلظ، ويجوز تقريرُهُم بالجزية تغليباً للحُقَن، وبذلك حكمت الصَّحَابَةُ -رضي الله عنهم- في نصارَى العَرَب، وهم بهراء وتنوخ وتغلب هذا شرح ما ذكره في الكتاب، وكذلك أطلقه عامَّةُ الأَصْحَابِ من المتقدِّمين والمتأخِّرين، وتركوه عَلى إطلاقه وفيه شيْءٌ لا بُدَّ من معْرفته، لكنْ موْضِع بيانه الفصل التالي لِهَذَا الفَصْلِ.
القسم الثاني: الْكِتَابيَّةُ الإسْرَائِليَّةُ، والذي تناقله الأصْحَابُ في طرقهم جواز نكاحها على الإِطلاق من غير نظرَ إلى آبائها أنَّهُم دخَلُوا في ذلك الدِّينِ قبل التحريف، أو بعده، وليس ذلك لأنه ليس كل إسرائيلية يفرض آباؤها (¬1) داخِلُون في دِينِهَا قبل التحريف، وإن أشعر به كلام جماعةٍ من الأئمة -رَحِمَهمَ اللهُ- وذلك؛ لأن إسرائيلَ هو يعقوبُ -عليه السَّلامُ- وبيْنَه وبيْنَ صاحب التوراة موسَى -عليه السلام- زمانٌ طويلٌ، ولا نحيطُ علماً بأنَّ بني إسرائيل عَلَى كثرتهم دخَلَ كلهم في زمانِ مُوسَى، أو بعده قَبْلَ التحريف، بل في القصص ما يدُلُّ على استمرار بعْضِهِم على عِبَادة الأوثان والأديان الفاسدة، وبتقدير أنْ يستمَّر هذا في اليهوديَّات، فلا يستمرُّ في النَّصْرانيَّات؛ لأنَّ بنِي إِسرائيلَ بعد بعثة عيسَى -عليه السلام- افترقوا، فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ، ومنْهُم مَنْ صَدَّ عَنْهُ
¬__________
= أيضاً بسند لا بأس به، عن شقيق قال: تزوج حذيفة امرأة يهودية فكتب إليه عمر: خل سبيلها، فكتب إليه إن كانت حراماً فعلت، فكتب عمر: إني لا أزعم أنها حرام، لكني أخاف أن تكون مومسة، وفي البيهقي عن أبي الحويرث: أن طلح نكح امرأة من كلب نصرانية.
(فاندة) قال أبو عبيد: نكاح الكتابيات جائز بالإِجماع، إلا عن ابن عمر قاله الحافظ.
(¬1) في ب: ما أورده.

الصفحة 76