كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 8)

الدِّين، وأُخْرَى تخالفهم، فتعْبُدُ الكواكب السبعة، وتضيف الآثار إليها، وتنفي الصانِعَ المخْتَارِ، وهم الذين أَفْتَى الإصْطَخْرِيّ بقتلهم؛ لَمَّا استفتى الْقَاهِرُ الْخَلِيْفةُ الْفُقَهَاءَ فيهم.
وعن رواية الشيخ أبي عَلِيٍّ: أن بعض الأصحاب أطْلَقَ قولَيْنِ في مناكحةِ الصابِئِينَ والسَّامِرة، وهذا ما أورده في الكتاب بقوله: "وقيل قولان مطْلقا" قال الإِمامُ -رحمه الله-: ولا مجال للتردُّد في الذين يُكَفِّرُهُمُ اليهود والنصارى، ويخرجُونَهُم من جُمْلَتِهم، نعمْ يمكن التردُّد في الذين ينزلونهم منْزِلَةَ المبتدعة فِينَا، ولا يكفِّرونهم.
قال: ولَيْسَ هذا تَعْرِيضاً بتحريم نكاح المبْتدعَةِ فِينَا لكوْننا لم نكفِّرْهم بالسَّمْع ولم يثبت سمع في المبتدعة الأوَّلِينَ، وإذا شَكَكْنا في جماعةٍ أنهم يخالفونَهُمُ في أصول الدِّينِ، أو فروعه، لم نناكِحْهم.
قَالَ الغَزَالِيُّ: (فَرْعٌ) لَوْ تَنَصَّرَ يَهُوديٌّ يُقَرُّ فِي قَوْلٍ، وَلاَ يُرْضَى مِنْهُ إلاَّ بِالسَّيْفِ (ح) أَو الإِسْلاَمِ في قوْلٍ، وَيُرْضَى بِالإسْلاَمِ أَوِ العَوْدِ إِلَى التَّهَوُّدِ فِي قَوْلٍ، فَإِنْ قُلْنَا: لاَ يُقَرُّ فَهَلْ يُلْحَقُ بِمَأْمِنَهِ؟ فِيهِ قَوْلاَنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَوَثَّنَ يَهُودِيُّ تَجْرِي الأَقْوَالُ إِلاَّ أنَّهُ لاَ يُقَرُّ عَلَى التَوَثَّنِ بِحَالِ وَيُقْنَعُ مِنْهُ بِالتَّنَصُّرِ عَلَى قَوْلٍ، وَلَوْ تَنَصَّر وَثَنِيٌّ فَلاَ يُقْنَعُ مِنُهُ إلاَّ بِالإِسْلاَمِ، وَلَوِ ارّتَدَّ مُسْلِمٌ فَلاَ يُقْنَعُ مِنْهُ إلاَّ بِالإِسْلاَمِ أَو السَّيْفِ، وَتَتَنَجَّزُ الفُرْقَةُ بِهَا قَبْلَ المَسِيسِ (ح)، وَيتَوقَّفُ بَعْدَ المَسِيسِ إِلَى انْقِضَاءِ العِدَّةِ، فَإِنَّ أسْلَمَ قَبْلَهَا دَامَ النِّكَاحَ وَإلاَّ فَتَتَبَيَّنُ الفُرْقَةِ مِنْ وَقْتِ الرِّدَّةِ. (¬1)
قَالَ الرَّافِعِيُّ: مقصود الفصل الكلامُ في الانتقال من دِينٍ إلى دِينٍ، وذلك، وإنْ لم يختصَّ بالنكاح، لكن للنكاح مَنْهُ حَظُّ ظَاهِرٌ، فنَذكره في بيان حظِّ النكاح منه، فنقول: الانتقال؛ إما أن يفرض من دِينٍ باطِلٍ إلى دين بَاطِلٍ، أو من الحَقِّ إلى الباطل، أو بالعكس.
¬__________
= بأن الصابئة ما عظموا الكواكب واستقبلوها في دعائهم وعبادتهم تعظيم عبادة لها. ولكن تعظيم احترام وإحلال. وليس هذا بمدخلهم في الشرك. ومثلهم في ذلك المسلمون في تعظيم الكعبة والاستقبال إليها عند الدعاء لم يكن ذلك بمخرجهم عن دائرة الإِسلام.
هذا: ويظهر لي أن اختلاف الفقهاء ليس باختلاف حقيقي إذ يمكن أن نقول: إن الإمام أبا خيفة قال بحل تزوج النساء الصابئات بناءً على ما ظهر له من حال فرقة وقف على أمرها كانت تقطن العراق -أما الفقهاء القائلون بالتحريم فيمكن أن يقال إنهم ذهبوا إلى ذلك بناءً على ما اطلعوا عليه من أمر فرقة أخرى توافق عبدة الأوثان. وقد يجوز أن تكون نقل إليهم شيء عن حالهم حكموا بناءً عليه -ولا يبعد أن تلك الطائفة التي نقلت إليهم أو اطلعوا عليها أن تكون خلاف الطائفة التي عرفها الإِمام أبو حنيفة. لو أنهم اطلعوا على طائفة واحدة لاتفق حكمهم في الصابئة.
(¬1) سقط في ز.

الصفحة 80