كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 8)

أما القسم الأوَّل: الانتقال من دينٍ باطِلٍ إلى دِينٍ بَاطِلٍ فإمَّا أنْ يَكُوَن الانتقالُ من دينٍ يُقَرُّ أهله عليه إلى دين يُقَرُّ أهله عليه، أو ممَّا يُقَرُّ عليه إلى ما. لا يقر، أو بالعَكْسِ، فهذه ثَلاثةُ أَضْرُبٍ، ولا غرض لَنَا في الرابع الذي يُؤدِّي إليه التقسيم.
أمَّا الضَّرْب الأوَّلُ: فَإذَا تنصَّر يهوديٌّ، أو تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ، فَهَل يُقِرُّ بِالْجِزْيَةِ، على ما انْتَقَلَ إليه؟ فِيهِ قَوْلاَنِ:
أحَدُهُمَا: لا؛ لأَنَّهُ أَحْدَثَ دِيناً بَاطِلاً بعد اعترافه ببطلانه، فلا يُقَرّ عليه، كما إذا ارتدَّ المسلم.
والثَّانِي: يُقَرُّ، لتساوي الدِّيَنَيْنِ بالتقْرير بالجزية، وفي كونهما على خِلاَفِ الْحَقَّ، وليس كالمسلم يرتد؛ لأنه تَرَكَ الدِّينَ الْحَقَّ، وهذا أَصَحُّ عند القاضي أَبِي حَامِدٍ وَصَاحِبِ "التَّهْذِيبِ" وبه قال أَبُو حَنِيْفَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وهو نصه في "الْمُخْتَصَرِ" والقولان فيما ذَكَرَتْ طائفةٌ، منهم صَاحِبُ "التَّتِمَّةِ" مبنيان عَلى أن الكفْرَ ملةٌ واحدةٌ، أو مِلَلٌ مختلفةٌ، إنْ قُلنَا: مَلِلٌ، لم يُقَرَّ، وإن قُلْنَا: مِلَّةٌ واحدةٌ، أُقِرَّ كما يقر المسلم، إذا انتقل من مذْهَب إلى مَذْهَبٍ، ولك أن تَقُولَ: لو كان هذا أصْلاً لِمَا بَنَى عليه هذان القولان، لأَثْبَتْنَا مثْلَهُمَا قولَيْن في التوارُثِ بين اليهود والنصارى، وليس كذلك على ما بيَّنَّا في "الفرائضِ"، ثمَّ حكَيْنا هُنَاكَ أنَّ بعْضَهم خَرَّج وَجْهاً في منْع التوارث من قوْلِنا: أنه لا يقر واستدل به على أن الكفر ملل مختلفة، وفرق بين أن يستدل بقولنا لا يُقَرُّ على اختلاف، وبين أن يبني قولنا لاَ يُقَرّ على الاختلاف، ويُجْعَلُ ذلك أصلاً راسخاً.
التفريع: إن قلنا يُقَرّ فذبيحته حَلالٌ، ولو كان هذا الانتقالُ من امرأة، حلَّ للمسلِمِ نكاحُها، ولو انتقلتُ في دوامِ نكاحِ مسلمٍ، فلا يتأثر به، وإن قلنا: لا يُقَرُّ، لم تحلَّ الذبيحة، ولا النكاح، ولو انتقلت في دوام نَكاح فسلم، فهي كالمسلمة ترتد فتتنجز الفرقة، إن كان قبل الدخول وتتوقَّف على انقضاء العدة، إن كان بَعْدَه، وعلى هذا فقولان:
أَحَدُهُمَا: أنَّه لا يقبل منه إلا الإسلاَمُ لأنه أقرَّ ببطلان المنتقل عنه، وكان مقرا ببطلانِ المُنْتَقَلِ إِلَيهِ.
والثاني: أنه، لو عاد إلَى ما كان عليه قيل: لتساوي الدينين في الحكم، والأولُ أظهرُ عند الإمام؛ توجيهاً بأن ذلك الدِّينَ قد زال، فعَوْدُه إليه انتقالُ منه إليه، فلو منَعْنا منْه بالانتقالَ إليه، لأَقْرَرْنَاهُ عَلَى ما انتقل إلَيه أولا، فإن أبى الإسلامَ على القول الأول، أو الإِسلام وَالعَوْدَ على ما كان علَيْه جميعاً على القول الثاني، فقولان، ويقال: وجهان:
أَحَدُهُمَا: أنَّه يقتل كالمُسْلِم يرتد، ويشهد له ظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ".

الصفحة 81