كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 8)

إمساكُهَا، وِإن كان معسِراً عند إِسْلامَها، وُيرْوَى هذا عن أَبي يَحْيىَ الْبَلْخيِّ قَالَ: وعلى عكسه، لو أسلم، وهو مُعْسِرٌ، ثم أَسلمتُ، وهو موسِرٌ، فله إِمْسَاكُها، نظراً إِلى وقت إِسلامه.
وعن ابن خَيْران: أَن في اليسار الزائل قَوْلَيْن، فحصل في الصورتين الخلافُ كما ترى، وهو كما ذكر صَاحِبُ "التَّتِمَّةِ" متولد من ضرب جواب إِحدى الصورتين بجواب الأخرى، والظاهر في صورة الحرة والأمة اندفاع نكاح الأَمة وإن ماتت الحرَّةُ وفي صورة (¬1) زوال اليسار عند إِسلامها عدَمُ الاندفِاع، واعتبارُ اقترانه بإِسْلاَمِهِا جميعاً، والسبَبُ في اعتبار الاقتران بإِسلامهما معاً؛ أن وقت الاجتماع في الإِسلام هو وقْتُ جواز نكاح الأَمة؛ لأَنه، إِن تقدَّم إِسلامه، فالأمَةُ الكافرةُ لا تحلُّ للمسَلم، وِإن تقدَّم إِسلامها، فالمسلمة لا تحلّ للكافر فكان اجتماعهما في الإِسلام شبيهاً بحالِ ابتداءِ نكاحِ الأمة، واليسارُ السابقُ على نكاح الأَمة لا يَمْنَعُ جواز نكَاحها، وهذا المعنَى يقتضي جواز إِمْسَاكِ الأَمة في الصورة الأولى، وهي ما إِذا ماتَتِ الحرَّةُ بعد إِسلامها، ثم أَسلمتِ الأَمةُ، لكنْ فرَّقوا بينهما من وجوه.
منها: أن أَثر نكاح الْحُرَّةِ بَاقٍ بَعْدَ مَوْتِهَا؛ أَلا ترى أَنه يرثُها، وأَن له غسلها، وعليه مؤْنةُ تجهيزها على رأْي، فكأنَّ النكاح باقٍ، واليسارُ بخلافه.
ومنها: أَن المرأة، إِذا أَسلمت، وتعيَّنت، حسبتْ على الزوج، ولم يؤَثِّرْ موتها بعد ذلك ألا تَرَى لو أَسلم، وتحته خمس نسوة، وأسلمت واحدةٌ، فاختارها، ثم ماتت، ثم أسلمت البواقي، لم يكن له إِمساكُهُنَّ، وإِنما يُمْسِكُ ثلاثاً منهن.
ومنها: قال الإِمام: الحُرَّةُ لا تنزل منزلة اليَسَار، بل الأَمر فيها، وفي اشتراطِ عَدَمِها لهم وأعظم ألَا ترى أنه لو كان في نكاحه حُرَّةٌ؛ رتقاءُ أَو غائبةٌ، لم ينكح الأَمة، ولو كان مالُهُ غائباً، لا يصل إِليهِ إِلاَّ بعد زمانٍ طويلٍ يجوز له نكاح الأمة والله أعلم.
ولا يَخْفَى بعْدَ ما ذكَرْنا الحاجَةِ إِلَى إِعلام قوله "كفى" بالواو، وكذا قوله "فإِنَّهُ لاَ يَدْفَعُ".
قَالَ الغَزَالِيُّ: وَاِذَا طَلَّقَ الكَافِرُ زَوْجَتَهُ ثَلاَثاً ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَنْكَحِهَا إِلاَّ بِمُحَلِّلٍ فِي قَوْلٍ -وَلاَ يُحْتَاجُ إِلَى المُحَلِّلِ في قوْلٍ فَإِنَّا نُصَحِّحُ أَنْكَحَتَّهُمْ مُطْلَقاً فِي قَوْلٍ، وَنُفْسِدُهَا فِي قَوْلٍ إِلاَّ عِنْدِ الإسْلاَمِ، وَنَتَوقَّفُ فِي قوْلٍ، فَمَا يُقَرَّرُ عَلَيْهِ في الإسْلاَمِ نَتَّبيَنُ صِحَّتَهُ، وَمَا يَدْفَعُهُ نَتَبَيَّنُ فَسَادَهُ حَتَّى لاَ يَثْبُتَ المَهْرُ عَلَى هَذَا الَقْوِلِ لِلَّتي يَدْفَعُ الإِسْلاَمُ نِكاحَهَا، وَلاَ عَلَى قَوْلِ الإِفْسَادِ، وَيَثْبُتُ عَلَى قَوْلِ الصِّحَّةِ.
¬__________
(¬1) سقط من ز.

الصفحة 96