كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 9)

السُّكْنَى عليه، والأوْلَى ما ذكره صاحب "الشامل" وغيره، وهو أنها إن رَضِيَتْ بالإقامة فيه بإجَارة أو إعارة، جاز، وهو الأوْلَى، وإن طلبت أن ينقلها، فلها ذلك وليس عليها بذل مسكنها بالإعارة ولا بالإجارة.
الثالثة: إذا طلَّق امرأته، وهي في منْزِلٍ مملوكٍ للزوج، ثم أفلس وحُجِر عليه، فيبقى لها حقُّ السكنى، وتتقدم به على الغرماء، وكذا لو مات، وعليه ديون، تتقدم به على الورثة؛ لأن حقَّها متعلِّق بعَيْن المسكن (¬1) كحق المكتري والمرتهن، وهل يجوز للحاكم أن يبيع رقبته فيه الخلاف الذي تقدَّم، ولو أفلس وحُجِر عليه أولاً ثم طلَّقها، فتضارب الغرماء بالسُّكْنى، وليس ذلك كدَيْن يَحْدُث (¬2) بعد الحَجْر لا يُزَاحِمُ صاحبُهُ الغرماء؛ لأن حقَّها، وإن كان حارثاً، فهُو مستندٌ إلى سبب متقدِّم، وهو النكاح والوطء فيه، وأيضاً؛ فإنه حق ثبت لها بالطَّلاق من غير اختيارها، فأشبه ما إذا أتْلَف المُفْلِس مالاً على إنسان، فإنَّه يزاحم الغرماء، ولو طلَّقها، وليسَتْ هي في مسكن الزوج، فتضاربهم بالأجرة، سواء كان الطَّلاق قبل الحَجْر أو بعده؛ لأن حقَّها هاهنا مرسَلٌ غير متعلِّق بعين، ومتى وقَعَت الحاجة إلى المضاربة بالحِصَّة، فإن كانت ممَّن تعتد بالأشْهُر، فتضارب بأجْرة المثل لمدة ثلاثة أشهر، وإن كانت ممَّن تعتد بالأقراء أو وضع الحمل، نُظِرَ؛ إن لم تكُن لها عادةٌ في الأقراء، وفي مدَّة الحمل، فوجهان:
أشهرهما: أنه يُؤْخَذ باليقين، فتضارب بأجرة أقل مدَّة يمكن انقضاء الأقراء فيها، والحامل تُضَارب بأجرة ما بَقِيَ من أقل مدة الحَمْل، وهي ستة أشْهُر من يوم العلوق؛ لأنَّ استحقاقَ الزِّيادة مشكُوكٌ فيه.
والثاني: أنه توجد بالعادة الغالبة؛ لأن الظَّاهر كوْنُها من جُمْلة الغَالِب، فتضارب ذات الأقراء بالغالب من مدَّة الأقراء، وهي ثلاثة أشْهُر، وفي الحامل بما بقي من مدة عادَةِ الحَمْل، وهي تسعة أشهر، وهذا ما اختاره صاحب "الحاوي"، والوجهان كالقولَيْن في أن المبتدأة الَّتي لا تتميز لها ترد إلى اليقين أو [إلى] (¬3) الغَالِب، وإن كانَت لها عادةٌ سابقةٌ في الأقراء أو مدَّة الحمل، فتضارب بالأُجْرة لعادتها المعْهُودة، إن كانت مستقيمةً مطَّرِدةً، وفيه وجْه: أنها لا تضارب إلا بالأَقلِّ، والظاهر الأوَّل؛ لأن الأصْل والظاهر استمرارُ عادَتِها [و] (¬4) إن كانت لها عاداتٌ مختلفةٌ، فإن راعينا العادَةَ المستقيمةَ، فالنَّظَر في المُضَاربة إلى الأقلِّ من عادتها، وإلاَّ، فالنظر إلى أقل مدة الإمكان، وفرَّق الشيخ أبو حامد وغيره بيْن ما نَحْن فيه؛ حيث بنينا المفماربة على الأخْذ بالأقل أو بعَادَتِها أو
¬__________
(¬1) في أ: السكنى.
(¬2) في ز: يجرب.
(¬3) سقط في ز.
(¬4) سقط في ز.

الصفحة 517