كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 9)

أما الأول، فالمستبرأة، إن كانتْ من ذوات الأقراء، تُسْتَبْرأ بقرءٍ واحدٍ وأما القُرْء المعتَبَر في الاستبراء، ففيه قولان:
أحدهما، وُينْسب إلى القديم و"الإملاء": أنه الطُّهر كما في العدَّة.
وأظهرهما، وينسب إلى الجديد: أن الاعتبار فيه بالحَيْض؛ لِمَا رُوِيَ أنه صلَّى (¬1) الله وسلم قال في سَبَايا أوْطَاس: "لا توطأ حامِلٌ حَتَّى تَضَعَ؛ وَلاَ حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ" وتخالف العدَّة، فإن الأقراء يتكرَّر هناك، فيعرف بتخلُّل الحَيْض براءةُ الرَّحم، وهاهنا لا يتكرَّر، فيعتمد الحيض الدال على البراءة، ومنْهم مَنْ يذكر في المسألة وجهَيْن، بدلاً عن القولين، وفي "التَّتمة" وجْه مُفَصَّل، وهو أن الاستبراء، في أمِّ الولد، إذا مات سيِّدها أو أعتقها بالطُّهْر، وفي الأَمَةُ تمْلك، بالحَيْض، والفَرْق أن استبراء أمَّ الولد قضاءُ حقِّ السيِّد، فيشبه (¬2) العدَّة التي هي قضَاء حقِّ الزوج، والاستبراء عند حدوث المِلْك؛ لمعرفة فراغ الرحم، فيعتبر ما يدل على الفراغ؛ وأيضاً، فإن الاستبراء هناك لاستباحة النكاح، كما أن عدة الحرائر لاستباحة النكاح، والاستبراء عنْد حدوث المِلْك، ليحل الوطء، فيعتبر به ما يستعقب الوطء، وهو الحَيْض، وأما الطُّهر، فإنه يستعقب الحيض، فزمان الحَيْض كزمان الاستبراء في تحريم الوطء، وغَيَّر صاحب "الحاوي" عن الخلاف في المسألة بعبارة أُخْرى، فقال: المقصود في الاستبراء الحيض، والطُّهْرُ تَبَعٌ، أو الطُّهْرُ والحيضُ تَبَعٌ أو هما جميعاً مقصودان؟ فيه ثلاثة أوجه:
أحدهما: أن المقْصُود الطُّهْر، والحَيْض تَبَعٌ، كما في العدَّة.
والثاني: أن المقصُود الحيضُ، والطُّهْر تبع، بخلاف العدَّةِ؛ لمَا مَرَّ.
والثالث: أنهما جميعاً مقصودان، فإذا قلنا: إن القرء الطُّهْر، فلو صادف سبب وجوب الاستبراء آخِرَ الحيض، كان الطُّهر الكامل بعْده استبراءً، لكن يكفي ظُهُور الدم، أو يُعْتبر مُضِىُّ يوم وليلة؟ فيه مَثَلٌ الخلاف السابق في العدَّة. وحكي وجْه: أنه لا بُدَّ من مضيَّ حيضةٍ كاملةٍ بعْد ذلك الطُّهْر، وهذا بعيدٌ فيما ذكر صاحب الكتاب وغيْره -رحمهم الله-، وذكر القاضي الرُّويانيُّ: أنه الأظهر، [وأنه] الأقْيَس، واختيار القفَّال خلافُه.
ولو وُجِدَ سبَبُ الاستبراء، وهي طاهرٌ، فهل يكتفي ببقيَّة الطُّهر؟ فيه وجهان:
أحدهما: نَعَم، وتعتد به طهراً، كما تعتد به في العدَّة، وهذا ما رجَّحه في "البسيط"، وحكاه أقضى القضاة الماوردِيُّ -رحمه الله- عن (¬3) البغداديين من (¬4)
¬__________
(¬1) تقدم في الحيض.
(¬2) في ز: فشبه.
(¬3) في ز: عند.
(¬4) في ز: في.

الصفحة 524