كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 9)

السرخسيِّ تخريجٌ عن ابن سُرَيْجِ في البِكْر: أنه لا يجب (¬1) الاستبراء، وعن المزنيِّ في "مختصر المختصر": أنه إنما يجب الاستبراء، إذا كانت الجارية موطوْءَة أو حاملاً قال القاضي الروياني: وأنا أميل إلى هذا، واحتج الشافعيُّ -رضي الله عنه- بإطْلاق الخَبَر في سبايا أوطاس مع حصول العِلْم بأنه كان منهم أبكار وعجائز، ويجوز أن يُعْلَم؛ لما روينا لفْظ "الفسخ" "والإقالة" بالحاء، ولفظ "البكر" بالواو، ولفظ "الصغيرة" بالميم.
ولا يجب على بائع الجارية استبراؤها، سواءٌ وطئها أو لم يطأْها، لكن يُسْتحبٌ إن وطئها؛ ليكون على بصيرةٍ عند البيع، ولو أقرض جارية لا تحِلُّ للمستقرض، ثم استردَّها قبل أن يتصرف المستقرض فيها، وجب على المُقْرِض الاستبراء، إن قلنا: إن القرض يُمْلك بالقبض، وإن قلْنا: يملك بالتصرف، ولم يجب.
ثم الفصْل يشتمل على صور:
إحداها: "لو كاتب جارِيتَه، ثم فسخت الكتابة أو عجَّزَها السيد، لزمه الاستبراء؛ لأنه زالَ مِلْك الاستمتاع بها، وصارت إلى حالة، لو وطئها استحقَّت المَهْر، ثم عاد المِلْك، فأشبه ما لو بَاعَها ثم اشتراها، وقال أبو حنيفة: لا يَجِب الاستبراء".
الثانية: إذا حُرِّمَت على السيِّد بصومٍ أو صلاةٍ أو اعتكافٍ أو حيْض أو نِفَاسٍ، ثم حلَّت بارتفاع هذه المَعَانِي، لا يجب الاستبراء؛ لأنه لا خَلَل في المِلْك، وإنما حُرِّمَت بهذه العوارض، وكذا لو حُرِّمت عليه بالرهن، ثم انفك الرَّهْن؛ لأن مِلْك الاستمتاع باقٍ، وإنما راعيْنا (¬2) جانب المرتهن؛ أَلاَ تَرى أنه يجوز له القُبْلة والنَّظَر بالشهوة، وأنه لو أذن المرتهن في الوطء، حَلَّ.
الثالثة: لو ارتدت جاريته، ثم أسلمت، هل يجب على السيِّد الاستبراء؟ فيه وجهان:
أصحُّهما: نعم؛ لأنه زال مِلْك الاستمتاع ثُمَّ عاد، وقال في "التهذيب": الوجهان مبنيان على الوجهَيْن فيما إذا اشترى مرتدَّة ثم أسلَمَتْ، هل يحسب حيضها في زمان الردة عن الاستبراء؟ إن قلْنا: يُحْسَب، لم يجب الاستبراء هاهنا، وإلا وجب ولو ارتد
¬__________
(¬1) وحكاه في النهاية عن صاحب التقريب قال: لكنه خصه بالمسبية وهو مطرح من نفسه فلا اعتداد به انتهى.
وفي محاسن الشريعة للقفال نفي الخلاف فيه فإنه قال: ولا يختلف عند أصحابنا حكم الاستبراء لمن ملك أمة بأي وجوه الملك كان من بيع أو هبة أو غيرها ولا فيمن وقع الملك في رجل أو امرأة ولا في بكر أو ثيب.
(¬2) في ز: راتبنا.

الصفحة 531