كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 9)

فَلاَ حُكْمَ لِلَبَنِ البَهِيمَةِ وَلاَ لِلَبَنِ الرَّجُل (و) وَلاَ لِلَبَنِ المَيْتَةِ (ح) * فَإِنْ حُلِبَ لَبَنُهَا فَمَاتَتْ فَشَرِبَ الصَّبِيُّ بَعْدَ مَوْتِهَا حُرِّمَ عَلَى أَصَحِّ المَذهَبَيْنِ (و) * وَلاَ حُكْمَ لِلَبَنِ الصَّغِيرَةِ دُونَ تِسْعِ سِنِينَ* وَبَعْدَ تِسْعِ سِنِينَ يُحْرَّمُ لَبَنُهَا لاحْتِمالِ البُلُوغِ وَإنْ لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدُ اللَّبَنِ دَلِيلَ البُلُوغِ* وَفِي لَبَنِ البِكْرِ وَجْهُ أَنَّهُ لاَ يُؤَثِّرُ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: الكتاب ثم السنة ناطِقَانِ بتحريم الرضاع؛ قال الله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23]-رضي الله عنه- أن رسُول الله -صلى الله عليه وسلم (¬1) - قال: "يحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ ما تحْرُمُ مِنَ النَّسَب"، ويعضدها إجماع الأمة، وإما يؤثِّر الرضاع في تحريم النكاح وثبوت المَحْرَمِيَّة المفيدة لحل الخَلْوة والنظر دون سائر أحْكَام النسب؛ كالميراث والنفقة والعِتْق [بالملك] وسقوط القصاص ورد الشهادة، وغيرها بالاتِّفَاق (¬2)، ولا تخفَى الحاجة في الكتاب إلى معْرفة الرَّضَاع المُحرِّم، ومعرفة من يُحَرِّمُه، ثم الرضاع المحرِّم قد سبق النكاح، فيمنع انعقاده، وقد يطرأ عليْه، فيقطعه، ومنه ما يحْصُل الاتفاق عليه، وفيه ما يقع فيه نزاع قريبٌ.
الكلام على أربعة أبواب: بابٌ في أركان الرضاع وبيان شرائطه، ليمتاز ما يَحْرُم من الرضاع عما لا يَحْرُم.
وباب: فيمن يحرمه.
¬__________
= وحيث ثبت أن النكاح ذل وإهانة كان الواجب صون ما حرمت عنه، وكيف لا يكون كذلك وللمرء علاقات بهن توجب احترامهن وتحريم إهانتهن؟ فللأمهات على الأبناء أعظم أنواع الإنعام التي لا يجهلها أحد، وهل يجوز لمن أنعم عليه أن يقابل هذا الإنعام بالإذلال والامتهان؟ وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ على أن الولد جزء من أصله، ولا يليق بالجزء أن يهين كله، ومن ينتمي إلى هذا الكل من البنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت، فإن البنات بضعة من الآباء قال -صلى الله عليه وسلم-: "فَاطِمَةُ بِضْعَةٌ مِنِّي" فَلاَ تَجُوزُ إهَانَتُهُمْ؛ لأنَّ إهانة الجزء إهانة للكل، ومنزلة الأخوات كمنزلة الشخص نفسه، وكيف يهين المرء نفسه؟ وشر الناس من ظلم نفسه والعمات في منزلة الآباء، والخالات في منزلة الأمهات، وبنات الإخوة والأخوات كالبنات. وأيضاً من حكمة المشروعية لتحريم النكاح بالرضاع المحافظة على الألفة والوفاق بين الزوجين حتى لا يضيع الولد بينهما، ويتخلى عن الفضائل والكمالات، وذلك لأن الشهوة بينهن ضعيفة جداً حتى تكاد تكون معدومة، ولا يخفى أن هذا ينشأ عنه النفور والخلاف، ويبعدهما عن الوفاق والائتلاف فيكتسب الولدُ منهما ذلك، فتفوت الحكمة من النكاح التي هي المودة والرحمة بين الزوجين المقتضيين لحياة العمران قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}.
(¬1) متفق عليه. وقد تقدم في باب ما يحرم من النكاح.
(¬2) ويؤثر أيضاً في عدم نقض الطهارة على الأظهر.

الصفحة 553