كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 9)

(ح) أَوْ أَقِطٍ (ح) سَوَاءٌ كَانَ صِرْفاً أَوْ مَخْلُوطاً بِمَائِعٍ مَا لَمْ يَصِرْ مَغْلُوباً بِحَيْثُ لاَ يُؤَثِّرُ فِي التَّغْذِيَةِ قَطْعاً* فَإِنْ صَارَ مَغْلُوباً فَإِنِ امْتَزَجَ بِأَقَلَّ مِنْ قُلَّتَيْنِ وَشَرِبَ الصَّبِيُّ كُلَّهُ فَفِيهِ قَوْلاَنِ وَإنْ شَرِبَ بَعْضَهُ فَقَوْلاَنِ مُرَتِّبَانِ* فَإِنِ امْتَزَجَ بقُلَّتَيْنِ وَشَرِبَ بَعْضَهُ لَمْ يُؤَثِّرْ وَإنْ شَرِبَ كُلَّهُ فَقَوْلاَنِ* فَلاَ يَحْسُنُ اعْتِبَارُ القلَّتَيْنِ مِنْ غَيْرِ المَاءِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: لا يشترط لثبوت الحُرْمة أن يكون اللَّبَن على الهيئة الَّتي كانَتْ عند الانفصال عند الثَّدْي، بل لو تغيَّر بحموضة أو انعقادٍ أو إغلاءٍ تعلَّقت الحرمة به، وكذا لو اتُّخِذ منه جبنٌ أَو أَقطٌ أو زُبُدٌ أو مخيض وأطعم الصبيُّ؛ لوصول عين اللبن إلى الجَوْف، وحصول التَّغَذِّي، وبهذا قال أحمد؛ وقال أبو حنيفة: تثبُت الحرمة بالجُبْن ونحوه، وُيرَوَى عنه في المغلي مثله، ولو ثرد فيه طعام أو عُجِنَ به دقيقٌ وخبزٌ، تعلَّقت الحرمة به أيضاً، وفي صورة العَجْن والخبز وجْه عن القاضي الحُسَيْن -رحمه الله-، ولو شيب بمائع دواء أو غيره حلال؛ كالماء ولبن البهيمة أو حرام، كالخمر، فيُنْظَر؛ إن كان اللبن غالباً، تعلَّقت [الحُرْمة] بالمخلوط، حتى لو شرب منه الصبي خمس رضعات، ثبتت الحرعة، وإن كان مغلوباً فقولان:
أحدهما: أنَّه لا يتعلَّق به الحرمة؛ لأنَّ المغْلُوب المستهلك كالمعدوم؛ ألا ترى أن النجاسة إذا استهلكت في الماء الكثير، كانَتْ كالمعدومة، وأن الخمر إذا استهلك فيما خالَطَه، لم يتعلَّق بشربه الحد، وأن المُحْرِمَ، لو أكل طعاماً استهلك فيه الطيب، لم تلزمه الفدية.
وأصحُّهما: التعليق، لوصول عين اللَّبَن إلى الجوْف، وهو المعتبر في الباب؛ ولذلك يُؤَثِّر كثير اللبن وقليله الذي لا يُغذِّي بحال، وليس كالنجاسة؛ فإن اجتنابها لما فيها من الخَبَث والاستقذار، والكثرةُ دافعةٌ له، ولا كمسألة الخَمْر، فإن الحدَّ منوطٌ بالشدة المزيلة للعقل، ولا كمسألة المَحْرَم، فإنه ممنوعٌ من التطيُّب، وذاك ليس بتطيُّب، وإذا قلنا بالأصح، فلو شرب جميع المخلوط، تعلَّقت الحُرْمة به، وإن شرب بعْضه، فوجهان عن صاحب الإفْصَاح.
أحدهما: أنَّه تثبت الحرمة [أيضاً] إذا شربه في خمْس دفَعَات، أو شرب منه دفعةً بعْد أن شرب من اللبن الصّرف أربعاً؛ وذلك لأنَّ المائعِ إذا خالَطَ المائع، فما مِنْ قَدْر يوجد إلا وفيه شيْءٌ من هذا، وشيْءٌ من هذا، ويُحْكَى هذا عن اختيار الصيمري والقاضي أبي الطيب الطبريِّ.
وأظهرهما، وبه قال ابن سُرَيْج، وأبو إسحاق وأقضى القضاة الماوَرْدِيُّ: المنع؛

الصفحة 556