كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 9)

المعدة، ويقال: إن الحاصل في الدماغ ينحدر (¬1) إلى المَعِدة في عروق متَّصِلة بهما، وعن أبي حنيفة: أن الحرفة لا تثبت بالسَّعُوط، وهو رواية عن أحمد -رحمه الله-، ولو حُقِنَ باللبن، ففيه قولان منصوصان:
أحدهما، وهو اختيار المُزنيِّ: أنَّه يُثْبِتُ الحرمة كما يَحْصُل به الفِطْر.
وأصحُّهما، ويقال: إنه الجديد، وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد -رحمهما الله-: أنها لا تَثْبُت؛ لأن الحقنة لإسهال ما انعقد في الأمعاء، فلا يَحْصُل بها التعذِّي، وقد يُبْنَى القولان عَلَى أنَّه لم تثبت الحرمة بالسَّعُوط، فَمِن قائلِ بأنها تَثْبُت؛ للوصول إلى محَلٍّ يحْصُل الفطر بوصول الواصل إليه، ومِنْ قائِل؛ إنها تَثْبُت؛ للوصول إلى جوف التغذِّي، ولو قَطَّر اللبن في إحليله، حتى وَصَل إلى المثانة، ففيه قولان، كما في الحُقْنة، وكذا لو كان على بطْنه جراحةٌ فَصَبَّ فيها اللَّبَنَ، حتى وَصَل إلى الجَوْف، قل في "التهذيب": ولو وصل إلى المَعِدَةِ؛ لِخَرْق في الأمعاء أو وَصَل إلى الدماغ بالصَّبِّ في مأْمُومةٍ، تثْبُت الحرمة قولاً واحداً، ولو صُبَّ في أذنه، فالذي أورده الرويانيُّ في البحر أنه تثبت الحرمة، وفي "التهذيب": أنَّها لا تَثْبُت؛ لأنَّه لا مَنْفَذ لها إلى الدِّماغ، ويشبه أن يُقَال: إنه على الخلاف في الحُقْنة، والصبُّ في العين لا يُؤَثِّر بحال، كما لا يؤثر الاكتحال في الصوم، وإذا تأمَّلْتَ هذه الصور، عَرَفْت أن المَعِدة غير معيَّنة لعينها، بل الدماغ في معناها على الأظْهَر، وعَرَفْت أن حصول الفِطْر أوْسَعُ مجالاً من حُرْمة الرضاع، وسببه أن حرمة الرِّضاع تنشأ من تأثيره في إثبَات اللحم، وإنشاز العظْم، فيراعى مظنَّته، والفِطْر مَنُوطٌ بالوصول إلى الجَوْف؛ ولذلك اختص الرضاع باعتبار العدد فيه، إلى هذا المعنى يُشِير قوله في الكتاب "فَحَيْثُ لا إفْطَارَ لاَ تَحْرِيمَ" وحيث يَحْصُل الإفطار، ففيه قولان، والذي ذكره في السُّعُوط هو طريقة القولَيْن، والظاهر: القطع بأنه تَثْبت الحرمة، والله أعلم.
فرْعٌ: لو ارتضع وتقيَّأَ في الحال، حَصَل التحريم؛ لأن الاعتبار بوصوله إلى الجوف، وقد وَصَل، ولأنه يبقي شيْءٌ، وإن قلَّ، وحكى القاضي الرويانيُّ أن جَدَّه روى فيه وجهاً آخر، وفيه وجه: أنه إن تَقَيَّأَ قبل أن يتغير اللبن، لم تَثْبُت الحرمة، وإن تغيَّر، ثبتت.
اللفظ الثاني: الصبيُّ، والمراد منها الذي لم يبلغ حولَيْن، فأما من بَلَغ حولَيْن فصاعداً، فلا يتعلَّق التحريم برضاعه، وبه قال أحمد، واحتج له بما رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم (¬2) -
¬__________
(¬1) في ز: يتجدد.
(¬2) رواه الدارقطني [4/ 174] من حديث عمرو بن دينار عن ابن عباس، وقال: تفرد برفعه الهيثم بن جميل، عن ابن عيينة، وكان ثقة حافظاً، وقال ابن عدي: يعرف بالهيثم، وغيره لا يرفعه، وكان =

الصفحة 560